بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على نبيه الكريم
بسم الله الرحمن الرحيم. الحمد لله الكريم الوهاب ، الملهم للصواب ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد سيد الأحباب ، وعلى آله والأصحاب .
و بعد فهذا ما جمعه العبد الفقير إلى الله الغني به عبد الله بن أحمد بن الب ، من تدريس شيخه العلامة الإمام، والقدوة الهمام، شيخ الشيوخ شرقا وغربا، و قدوة السالكين عجما وعربا، مربي المريدين، و كهف المساكين، الشريف الشيخ بن حَمَّ ابن عابدين الصعيدي –حفظه الله و رعاه- لمختصر الشيخ خليل ، و ربما رجعت إلى بعض شروح المختصر مثل : الميسر ، وحاشية الدسوقي وغيرهما،
قال الشيخ خليل بن إسحاق-رحمه الله-:
{يَقُولُ الْفَقِيرُ الْمُضْطَرُّ لِرَحْمَةِ رَبِّهِ ، الْمُنْكَسِرُ خَاطِرُهُ لِقِلَّةِ الْعَمَلِ وَالتَّقْوَى : خَلِيلُ بنُ إِسْحَاقَ الْمَالِكِيُّ : الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا يُوَافِي مَا تَزَايَدَ مِنْ النِّعَمِ وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى مَا أَوْلَانَا مِنْ الْفَضْلِ وَالْكَرَمِ : لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَى نَفْسِهِ ، وَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ وَالْإِعَانَةَ فِي جَمِيعِ الْأَحْوَالِ ، وَحَالِ حُلُولِ الْإِنْسَانِ فِي رَمْسِهِ . }
——————————————–
{يَقُولُ }أصلها: يقوُل كينصر، فنقلت حركة الواو إلى الساكن قبلها لأنه صحيح، وبقي الواو على حاله لمجانسته للحركة المنقولة عنه وفي بعض النسخ (يقول العبد) ، و العبد يقال على أربعة أضرب،
الأول :عبد بالإيجاد: كقوله تعالى: {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْداً }.
الثاني : عبد بالعبودية ، وهو المقصود بقوله تعالى{ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ } ومنه { سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا } .
الثالث:عبد الدنيا: وهو المعتكف لخدمتها، وهو مذموم كما في الحديث: (تعس عبد الدينار والدرهم) ،
الرابع:عبد الشرع: وهو الإنسان الذي يجوز بيعه وشراؤه، وهذان الأخيران ليسا من مقصود المؤلف بقوله: “العبد”، ولعله أراد به المعنى الأول أو الثاني.أنظر الخرشي
{ الْفَقِيرُ }: اسم فاعل من فقر ككرم وتعب مشتقة من فقرات الظهر سمي بذالك لظهور فقرات ظهره ،وهو المحتاج الدائم الحاجة،وهو وصف لازم للحادث.{الْمُضْطَرُّ }: الملجأ الذي لا يجد لنفسه مخلصا ولا سبيلا: كالضال في القفر، والغريق في البحر.{لِرَحْمَةِ رَبِّهِ }:أي مالكه، والرحمة: في اللغة رقة القلب، وانعطافه ، وفي الاصطلاح:هل هي النعمة أو الإرادة، فعلى الأول يجوز قولنا “اللهم اجعلني في مستقر رحمتك”وعلى الثاني لا يجوز لأنها صفة{الْـمنْكَسِرُ} أي المتألم عبَّر بالسبب عن المسبب.{خَاطِرُهُ} أي قلبه من باب تسمية المحل باسم الحال ،
قال لمرابط محمد سالم بن ألما:
ما لم يدم في القلب هاجس وإن=جرى ودام فبخاطر زكن
وصف حديث النفس بالتردد=والعفو عن كل الثلاثة اعدد
والهم ما رجح فيما يأتي=ولغوه في السيئات آتي
والعزم أعمل في الجميع وهوا=جزمك بالأمر الذي قد تهوى
هل عزمه على الزنا ?? كفعله=ودونه خلف أتى في نقله
شيخ الشيوخ ذو العلوم العدوي=فاعلمه واحذر داء جهلك الدوي
أعاننا الله وإياك على= رعاية المأمور جل علا
تذييل للعلامة الشيخ بن حم حفظة الله ورعاه :
وقوله والعفوَ في الثلاث الاُل = يُعد أي ولا ثواب ثَمَّ قل
{لِقِلَّةِ الْعَمَلِ} أي الصالح على حذف النعت ، لأن العمل غير الصالح لا يتألم من قلته.
{وَ التَّقْوَى،} وهو امتثال الأوامر واجتناب النواهي،والمراد هنا الاجتناب ليلا يكون قوله: (لقلة العمل) إطنابا.
وسئل علي كرم الله وجهه عن التقوى فقال: الخوف من الجليل، والعمل بما في التنزيل، والقناعة بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل.
يقول العلامة محمد العاقب ولد ما يأبي ناظما مراتب التقي:
حضرت مجلس إمام النصحا == ماءالعينين بعدأن صلى الضحى
يحـدث النا س بدين أحمد == يقول وهو جالس فى المسجد
إن التقى وهو أعز ما طلب == ذو همة يأتى على خمس رتب
تقى يخلص من الخـلود == وهو اتقاء الشرك للمـــــــعبود
وما يخلص من الجحيم == هو اتقاء الزلـــــــــل العظيم
وماينجى من عذاب المسلم == فى قبره هو اتقاء اللمم
وما ينجى من مصائب الدنا == هو اتقاء الشبــــهات والخنا
وما به تستجلب الافر اح == هو اتقــــــــاء بعض ما يباح
فمــلت مصغيا لما حكاه و صافحت يديتى يــــــــداه
أعاده علي حتى استكملا == حديثه كما حكاه أولا.
تنبيه:إعلم أن هذا تواضع من الشيخ خليل رحمه الله تعالى، وأما هو فعمله وتقواه مشهوران، وكان من أهل الكشف كشيخه، وهضمُ النفس شأن أهل العلم والدين قال تعالى { فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى }، ويقال من رضي بدون قدره رفعه الله فوق قدره.
فائدة:قال من عند نفسه شيخنا العلامة الشيخ بن حَمَّ -حفظه الله ورعاه وجزاه عنا بأحسن جزائه- : أن الحكمة في كون المؤلف يطلب منه مدح كتابه و أن ينسب إلى نفسه التقصير: هي الفرق بين كتاب الرَّب و كتاب المربوب، إذ في القرآن مثلا: ((لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ)) ومثل ((الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ)) ومثل ((هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ)) اهــ
{خَـلِـيلُ} وعرف نفسه، لأن معرفة المؤلف مما يرغب في الفن أو يزهد فيه ، {بنُ إِسْحاق} بن موسى بن شعيب، وهو تركي النسب كما في فتح المنعم على زاد المسلم.{الـمَالِكيُّ:} مذهبا،وهذه نسبة تشريف وتعريف، لأن مذهب مالك أشرف المذاهب، لما ورد أنه لم يعتزل مالكي قط، إلا ما رمي به حفيد ابن رشد، وفي الحديث: (تضرب أكباد الإبل شرقا وغربا فلا يجدون عالما كعالم المدينة)، وعني به مالك ,وتوفي خليل -رحمه الله- في ثالث عشر ربيع الأول سنة ست وسبعين وسبعمائة، وتوفي شيخه المنوفي سنة تسع وأربعين وسبعمائة
قال العلامة : محنض باب بن أعبيد الديماني ناظما تاريخ وفاتهما :
مات خليل الفقه عام (وعذ) ==وشيخه المنوفي عام (طمذ)
وعذ : 776 هـ ، طمذ : 749 هـ
{الْحَمْدُ لِلَّه} لما افتتح بالبسملة افتتاحا حقيقيا افتتح بالحمدلة افتتاحا إضافيا ، {حَمْداً} حمدا منصوب بفعل مقدر أي أحمده حمدا، لا بالحمد المذكور لفصله عنه بالخبر ، وهو أجنبي ،
و الحمد لغة : الوصف بالجميل على جهة التبجيل. و عرفا: فعل ينبئ عن تعظيم المنعم بسبب إنعامه.
قال لمرابط محمذفال بن متال :
وال بحمد ربنا الخلاق = محتمل العهد و الاستغراق
فالعهد أن الله لما علما = بعجزنا عن حمده الذي سما
حمد نفسه تعالى في الأزل = ثم دعا لحمده لذاك جل
ومعنى الأستغراق عند العلما = أن جميع الحمدِ لله انتمى
معنى جميعه ضروب أربعهْ = أي حادثان وقديمان معه
أما القديمان فحمد الحق = لنفسه ولخواص الخلق
والحادثان حمدنا للوالى = وحمد بعضنا لبعض تالى
{يُوَافِـي} أي يقابل، {مَا تَزَايَد}أي تجدد و تكاثر {مِنَ النِّعَمِ،} جمع نعمة ونعمة.
قال شيخنا العلامة الشيخ بن حَمَّ -حفظه الله و رعاه- :
ونَعمة بالفتح للتنعم = والضمَّ فيها للسرور التزم
و حيثما كسرت فالإنعام = حينئذ هو الذي يرام
وقال في القاموس حين تكسر = فبالسرور أصبحت تفسر
لكن ما قد قاله لم يَسلم = من اعتراض فهو لم يُسَلَّم
{وَالشُّكْرُ} الشكر لغة هو الحمد عرفا وقد تقدم معناه، وعرفا : صرف العبد جميع ما أنعم الله به عليه من عقل وغيره إلى ما خلق لأجله ، كصرفه النظر إلى مطالعة مصنوعاته .{لَهُ عَلَـى مَا أَوْلاَنَا} أي أعطانا {مِنَ الْفَضْلِ}أي كمال الذات {وَالْكَرَمِ،} أي كمال الصفات
قال بعضهم:
كرمنا الكمال في الصفات==وفضلنا الكمال في الذوات
و قال بعضهم:
الفضل والإفضال والتفضل= الإعطاء دون عوض فحصلوا
ولما كان قوله: “حمدا يوافي …الخ” يوهم أنه أحصى الثناء عليه تعالى تفصيلا دفعه بقوله: {لاَ أُحْصِي}أي لا أعد {ثَنَاءً عَلَيْهِ هُوَ كَمَا أَثْنَى عَلَـى نَفْسِهِ،} وهذا مأخوذ من قوله – عليه الصلاة والسلام – : (لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك) ، والثناء: كل ما أشعر بتعظيم صاحبه، قال:
وكلما يشعر بالتعظيم =هو الثناء خذه بالتعميم
{وَنَسْأَلُهُ اللُّطْفَ} وهو في اللغة: مصدر لطف كنصر: و معناه الرفق ، و لطف به أي بلَّغه إلى مراده بلطف. وفي الاصطلاح: توفيق العبد إلى ما به صلاحه في الآخرة.
ومن اللطف إخفاء الأمور في صور أضدادها قال:
اللطف إخفاء الأمور جاء في= صور الاضداد كما ليوسف
صيره قِنا لكي يـــنــالا= ملكا وعزا ربُه تعالى
{وَالإِعَانَةَ} وهي في اللغة: التقوية، وفي الاصطلاح: خلق القدرة على الطاعة، {فِـي جَمِيعِ الأَحْوَالِ،} جمع حالة تذكر و تؤنث وهي ما يكون عليه الشخص في وقته، {و} لاسيما في {حَالِ} وقت {حُلُولِ} أي نزول {الإِنْسَانِ} وعنى به نفسه {فِـي رَمْسِهِ.} أي في قبره، وإنما خص هذه الحالة مع دخولها فيما قبلها لشدة احتياجه للطف والإعانة فيها أكثر من غيرها ،لأنها المنزلة الأولى من منازل الآخرة.
أشد ليلة على الأموات= أول ليلة لدى الـوفاة
إلى اللقاء في الدرس القادم إن شاء الله .
و كتب العبد الفقير إلى الله الغني به : عبد الله بن أحمد بن الب ، كان الله في عونه و والديه ، و رحم الله من قال ءامين.
المصدر: تدريس شيخنا العلامة الشيخ بن حَمَّ ، حفظه الله و رعاه وجزاه عنا بأحسن جزائه، ءامين ،
درس جيد شكرا للقائمين عليه شكرا جزيلا
شكرا لك أخي الكريم
شكرا اخي عبد الله علي التوجه النير وهذه المحظرة الاكتورونية القيمة التي بلا شك سوف تفيد العباد.
جازاك الله خيرا
السلام عليکم جزاکم الله خيرا