إعداد الأستاذ: محمد عال بن امد بن أحمدو
الله المستعان
ولما كان الإنشاء وهو : إيقاع معنى بلفظ يقارنه في الوجود من صوارف الماضي للحال نحو بعتُكَه ، وكذا المضارع نحو أبيعكه قال: (و ما مضى في الحال الانشاء جلا) أي أظهر الإنشاء الماضي في الحال هذا توجيهه ثم شرع في صوارف الماضي إلى الاستقبال وينصرف بالوعد نحو:{إنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَر} ، والوعيد نحو: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرا} ، وبالنفي بإن ولا الواقعتين من بعد قسم مقدر نحو:{وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً} أو ملفوظ نحو:
ردوا فو الله لا ذدناكم أبدا = مادام في مائنا وردٌ لورادِ
والطلب نحو رحم الله زيدا ، وبالعطف على ما علم استقباله نحو: {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُود} فقال:
وما مضى في الحال الانشاء جلا= والتزمن بالوعد أن يستقبلا
وإن ولا من بعد إيلاء طلب =عطفٍ على مستقبل لدى العرب
ثم شرع في احتماله للمضي والاستقبال فقال:
وسوينه والمضي تسويه = من بعد تحضيض وهمز التسوية
وكونه وصفا لما قد عمِّمَا =أو صلة أو حيث فادر كلما
قوله :وسوينه أي الاستقبال والمضي تسوية من بعد تحضيض كهلا ضربت زيدا إن أردت المضي كان توبيخا وإلا فأمر ، وهمز تسوية نحو: {وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُون} وكونه أي الماضي وصفا لما أي نكرة قد عمما كقوله:
رب رفد هرقته ذلك الْيوْ= مَ وأسرى من معشر أقتال
وفي الحديث : (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأدها كما سمعها) ،أو صلة نحو: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ}. {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ} ،وحيث نحو: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ} { وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْت}، وكلما نحو: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا} {كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ} قوله :فادر تتميم
طرر الابيات وتعليقات عليها
(وما مضى في الحال الإنشاء) وهو إيقاع معنى بلفظ يقارنه في الوجود نحو بعتُكه، وكذا لمضارع نحو أبيعُكه. (جلا والتزمن بالوعد) والوعيد (أن يستقبلا) كـ{إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ }. {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً} .
(وإن ولا)النافيتين الواقعتين (من بعد إيلاء )مقدر نحو: {وَلَئِن زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِّن بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيماً غَفُوراً } أو ملفوظ نحو:
ردوا فو الله لا ذدناكم أبدا = مادام في مائنا وردٌ لورادِ
(طلب) كرحم الله زيدا (عطفٍ على مستقبل لدى العرب) نحو : {يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ }.
(وسوينه) أي الاستقبال (والمضي تسوية من بعد تخصيص) كهلا ضربت زيدا إن أردت المضي كان توبيخا وإلا فأمر (وهمز تسوية) نحو: {وَسَوَاء عَلَيْهِمْ أَأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}.
(وكونه)أي الماضي (وصفا لما) أي نكرة (قد عمما) كقوله:
رب رفد هرقته ذلك الْيوْ= مَ وأسرى من معشر أقتال
وفي الحديث: (نضر الله امرأ سمع مقالتي فوعاها فأدها كما سمعها). (أو صلة) نحو: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ} . {إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ}. (أو حيث) نحو: {فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ. {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ}. (فادر كلما) نحو: { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا}. { كُلَّ مَا جَاء أُمَّةً رَّسُولُهَا كَذَّبُوهُ}.
تعليق عليها:
قوله فإن أردت المضي كان توبيخا وإلا فأمر صوابه فإن أردت التوبيخ كان ماضيا وإن أردت الامر فمستقبل
قوله (من بعد تحضيض وهمز التسويه) الدماميني: الحق أن ما بعد همز التسوية محتمل للثلاثة ومطلق الزمان الذي هو أعم من ذلك كما أن المصدر الذي هو الفعل في تأويله كذلك فلا وجه لتقييده بأحد الازمنة .
تنبيه :قال أثير الدين: الذي يظهر لي في المسائل الست الحمل على المعنى وإبقاء اللفظ على موضعه الحقيقي وإنما فهم من الامثلة من خارج فإن ورد شيء وقفنا مع الظاهر حتى تدل قرينة على الاستقبال والله أعلم .
باب الْمُعْرَبُ وَالْمَبْنِي
هذا باب المعرب والمبني من الاسماء و الافعال. و الإعراب هو تغيير آخر الكلمة لاختلاف العوامل الداخلة عليها نحو: جاء زيد رأيت زيدا مررت بزيد. والبناء: لزوم آخر الكلمة حالة واحدة ،
وَالاسْمُ مِنْهُ مُعْرَبٌ وَمَبْنِي = لِشَبَهٍ مِنَ الْحُرُوْفِ مُدْنِي
كَالْشَّبَهِ الْوَضْعِيِّ فِي اسْمَيْ جِئْتَنَا = وَالْمَعْنَوِيِّ فِي مَتَى وَفِي هُنَا
وَكَنِيَابَةٍ عَنِ الْفِعْلِ بِلاَ = تَأَثُّرٍ وَ كَافْتِقَارٍ أُصِّلا
الاسم ضربان : معرب وهو الأصل و يسمَّى : متمكنا ، ومبني وهو الفرع و يسمَّى: غير متمكن، فالمعرب هو: ما سلم من شبه الحروف، والمبني هو : ما أشبه الحروف ، وهو المعني بقوله: لشبه من الحروف مدني أي لشبه مقرب له من الحروف . ثم ذكر في البيتين أربعة أنواع من شبه الحروف
أولها : الشبه الوضعي وشبهه له في الوضع كأن يكون الاسم موضوعا على حرف واحد كالتاء في ضربت أو على حرفين كما في أكرمنا وإلى ذلك أشار بقوله :في اسمي جئتنا فالتاء في جئتنا اسم لأنه فاعل ، وهو مبني لأنه أشبه الحرف في الوضع في كونه على حرف واحد ، وكذلك نا اسم لأنها مفعول وهو مبني لشبهه بالحرف في الوضع في كونه على حرفين ؛
الثاني: شبه الاسم له في المعنى، وهو قسمان: أحدهما ما أشبه حرفا موجودا ، والثاني ما أشبه حرفا غير موجود، فمثال الأول: متى فإنها مبنية لشبهها الحرف في المعنى ، فإنها تستعمل للاستفهام نحو: متى تقوم ،وللشرط نحو : متى تقم أقم ، وفي الحالتين هي مشبهة لحرف موجود ، لأنها في الاستفهام كالهمزة ، وفي الشرط كإن ؛ ومثال الثاني هنا فإنها مبنية لشبهها حرفا كان ينبغي أن يوضع ولم يوضع ،وذلك لأن الإشارة معنى من المعاني فحقها أن يوضع لها حرف يدل عليها، كما وضعوا للنفي ما ، وللنهي لا ، وللتمني ليت، وللترجي لعل ، ونحو ذلك فبنيت أسماء الإشارة لشبهها في المعنى حرفا مقدرا ؛
الثالث: شبهه له في النيابة عن الفعل وعدم التأثر بالعامل ،وذلك كأسماء الأفعال نحو :دراك زيدا، فدراك مبنى لشبهه بالحرف في كونه يعمل ولا يعمل فيه غيره كما أن الحرف كذلك واحترز بقوله بلا تأثر عما ناب عن الفعل وهو متأثر بالعامل نحو: ضربا زيدا فإنه نائب مناب اضرب وليس بمبني لتأثره بالعامل ،فإنه منصوب بالفعل المحذوف، بخلاف دراك فإنه وإن كان نائبا عن أدرك فليس متأثرا بالعامل ،وهذا الذي ذكره المصنف مبني على أن أسماء الأفعال لا محل لها من الإعراب والمسألة خلافية وسنذكر ذلك في باب أسماء الأفعال إن شاء الله تعالى؛
والرابع : شبه الحرف في الافتقار اللازم ، وإليه أشار بقوله : وكافتقار أصلا ، وذلك كالأسماء الموصولة نحو: الذي فإنها مفتقرة في سائر أحوالها إلى الصلة فأشبهت الحرف في ملازمة الافتقار فبنيت ؛
وحاصل البيتين أن البناء يكون في ستة أبواب المضمرات وأسماء الشرط وأسماء الاستفهام وأسماء الإشارة وأسماء الأفعال والأسماء الموصولة.
طرر الأبيات وتعليقات عليها
المعرب والمبني: المشتقين من الإعراب و البناء ، وإنما قدم الفرع على الأصل ، وإن كانت معرفة المشتق متوقفة على معرفة المشتق منه، لطول الكلام على الإعراب والبناء تأصيلا وتفريعا، وإنما بدأ بالمعرب لشرفه ، وفي التعليل بالمبني لكون علته وجودية والآخر عدمية والاهتمام بالموجود أولى من الاهتمام بالمعدوم . (والاسم) بعد التركيب ضربان (منه معرب) وهو الأصل لاختصاصه بتعاقب معان يفتقر في التمييز بينها إلى الإعراب كالفاعلية و المفعولية و الإضافة ، ويسمى متمكنا ، ثم إن كان متصرفا سمي أمكن ، وإلا فلا. (ومبني) وهو الفرع ويسمى لعدم إعرابه غير متمكن، وإنما يبنى (الاسم لشبه) قوي (من الحروف مدني).
(كالشبه الوضعي) وضابطه أن يوضع الاسم على حرف أو حرفين وضعا أصليا كما (في اسمي) قولك (جئتنا، والمعنوي) وضابطه: أن يتضمن الاسم معنى حرف أغنى عنه لفظا وتقديرا، سواء وضع لذلك المعنى حرف أم لا، فالأول كما (في متى) الشرطية والاستفهامية، (و) الثاني كما: (في هنا) لتضمنها معنى حرف الإشارة الذي كان يستحق الوضع ولم يوضع.
(و) الشبه الاستعمالي وضابطه: أن يلتزم الاسم طريقة من طرائق الحروف (كنيابة عن الفعل بلا تأثر) بالعوامل كأسماء الأفعال، لأنها عاملة غير معمول فيها، وأما قوله:
و لنعم حشو الدرع أنت إذا= دعيت نزال ولُجَّ في الذعر
فمن باب الإسناد إلى اللفظ. (وكافتقار أصلا) إلى جملة كإذا وحيث والموصولات، وإنما أعربت أيٌّ الشرطية والاستفهامية وذان وتان واللذان واللتان لضعف الشبه، لما عارضه مما هو من خصائص الأسماء من لزوم الإضافة ، ومن المجيء على صورة التثنية .
التعليقات:
قوله: وإنما قدم الفرع وهو :المعرب والمبني على الاصل وهو:الإعراب والبناء ، قوله: لان علته وجودية وهي شبهه بالحرف.
قول الناظم الاسم منه معرب يفهم منه قبل الطرة أن لهما قسما ثالثا على حد قوله تعالى: { فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ} أي ومنهم غير ذلك كأصحاب الاعراف ، وأجيب بأن من للتبعيض وهي اسم عند بعضهم لعود الضمير عليها في قوله:
ذنبي إليك عظيم = وأنت أعظم منه
إن لم أكن في فعالي = من الكرام فكنه.
فتكون منه في بيت ابن مالك مبتدأ، قال في الطرة : (إذ لا واسطة بينهما على الأصح) ومقابله أن المضاف إلى ياء المتكلم لا معرب ولا مبني ويسمى خصيا.
قوله: بعد التركيب وأما قبل التركيب فاختلف فيه ونظم ذلك محمد سالم ابن ألما فقال:
لفظة الاسم قبل أن تركبا=تبنى لدى بعض وبعض أعربا
وشيخنا الحبر السيوطي مالا=لكونها واسطة فقالا
“اخترت فيها قبل أن تركبا=واسطة لا تبنها لا تعربا”
محل ذا فيما إذا ما ركبا=أعرب إلا فالبناء وجبا.
قوله و ضابطه : الضابط والحد والقاعدة والقانون ألفاظ مترادفة معناها المنطبق على الجزئيات.
قوله :أن يوضع الاسم وضعا أصليا، بخلاف يد ودم. قوله: على حرف أو حرفين، ثانيهما حرف لين. قوله :الذي كان حقه أن يوضع ولم يوضع، قيل: وضعت له أل قال تعالى :{ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ} ، وسياتي في التنبيهات وجه آخر لبنائه ، قوله :بلا تأثر يخرج المصدر النائب عن فعله نحو :فندلا زريق المال ندل الثعالب لأنه لا تأثر فيه العوامل ،
تنبيهات الاول:قوله: كأسماء الأفعال ،هذا الرأي وهو كون سبب البناء في أسماء الافعال كونها نائبة عن الفعل غير متأثرة بعامل لا ملفوظ به ولا مقدر هو قول الناظم ، وقول سيبويه -أنه متأثرة بعامل معنوي وهو الابتداء،وقول المازني : أن اسم الفعل مفعول مطلق لفعل محذوف من معناه ، فهيهات زيد مثلا أي بعد بعدا زيد، فهو متأثر بعامل لفظي محذوف من الكلام وعلة بناء اسم الفعل على هذين القولين تضمن أغلب ألفاظه وهي الالفاظ الدالة على الامر منه معنى لام الامر، وسائره محمول عليه، يعني أن اسم الفعل أشبه الحرف شبها معنويا، لا نيابيا؛
الثاني : زاد ابن مالك في شرح الكافية الكبرى نوعا خامسا سماه الشبه الاهمالي، وفسره بأن يشبه الاسم الحرف في كونه لا عاملا ولا معمولا،ومثل له بأوائل السور نحو ” ألم، ق، ص ” وهذا جار على القول بأن فواتح السور لا محل لها من الاعراب، لانها من المتشابه الذي لا يدرك معناه، وقيل: إنها في محل رفع على أنها مبتدأ خبره محذوف، أو خبر مبتدؤه محذوف، أو في محل نصب بفعل مقدر كاقر و نحوه، أو في محل جر بواو القسم المحذوفة، وجعل بعضهم من هذا النوع الاسماء قبل التركيب، وأسماء الهجاء المسرودة، وأسماء العدد المسرودة،
وزاد ابن مالك أيضا نوعا سادسا سماه الشبه اللفظي، وهو: أن يكون لفظ الاسم كلفظ حرف من حروف المعاني، وذلك مثل حاشا الاسمية، فإنها أشبهت حاشا الحرفية في اللفظ ومثلها كلا بمعنى حقا ذكره ابن الحاجب