بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على نبيه الكريم
درسنا اليوم هو الدرس السابع عشر من سلسلة دروس مختصر الشيخ خليل رحمه الله تعالى .
{ وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ كَحَدَثٍ مُسْتَنْكِحٍ وَبَلَلِ بَاسُورٍ فِي يَدٍ إنْ كَثُرَ الرَّدُّ أَوْ ثَوْبٍ وَثَوْبِ مُرْضِعَةٍ تَجْتَهِدُ وَنُدِبَ لَهَا ثَوْبٌ لِلصَّلَاةِ وَدُونَ دِرْهَمٍ مِنْ دَمٍ مُطْلَقًا وَقَيْحٍ وَصَدِيدٍ وَبَوْلِ فَرَسٍ لِغَازٍ بِأَرْضِ حَرْبٍ ، وَأَثَرِ ذُبَابٍ مِنْ عَذِرَةٍ وَمَوْضِعِ حِجَامَةٍ مُسِحَ فَإِذَا بَرِئَ غَسَلَ وَإِلَّا أَعَادَ فِي الْوَقْتِ وَأُوِّلَ بِالنِّسْيَانِ ، وَبِالْإِطْلَاقِ .}
—————————————-
{وَعُفِيَ عَمَّا يَعْسُرُ}هذه قاعدة فيما ذكر المصنف، وفيما لم يذكره، وحق لها أن تكتب بماء الذهب على صفحات القلوب. والمشاق ثلاث:
– مشقة عليا معتبرة إجماعا ،كذهاب الطهارة بإحدى الحواس -نعوذ بالله-.
– مشقة سفلى غير معتبرة إجماعا ، كالقيام للماء البارد لمن لا يضره.
–مشقة وسطى وفيها الخلاف، والأصح اعتبارها للقاعدة: كل مأمور به شق فعله سقط الأمر به، وكل منهي عنه شق تركه سقط النهي عنه .
وهذه قاعدة كلية ، ولما كان استخراج الجزئيات من الكليات قد يخفى على بعض الأذهان ذكر لها المصنف جزئيات للإيضاح فقال : {كَحَدَثٍ مُسْتَنْكِحٍ} بكسر الكاف أي ملازم كثيرا بأن يأتي كل يوم ولو مرة ، فيعفى عما أصاب منه ويباح دخول المسجد به ما لم يخش تلطخه فيمنع ، وهذا بالنسبة إلى الخبث، وأما بالنسبة إلى الحدث فتشترط ملازمته أكثر الزمن كما سيأتي.
( تنبيه ) : إذا عفي عن الأحداث في حق صاحبها عفي عنها في حق غيره ، لسقوط اعتبارها شرعا ، وقيل لا يعفى عنها في حق غيره ؛ لأن سبب العفو الضرورة ولم توجد في حق الغير ، وثمرة الخلاف تظهر في جواز صلاة صاحبها إماما بغيره وعدم الجواز ، فعلى الأول : تجوز ، وتكره على الثاني ، وإنما لم يقل بالبطلان على الثاني ؛ لأن صاحب السلس صلاته صحيحة للعفو عن النجاسة في حقه وصحت صلاة من ائتم به ؛ لأن صلاته مرتبطة بصلاته وصلاته صحيحة فالمرتبطة بها كذلك .
لمرابط محمد سالم ابن ألما :
مستنكح الحدث في الأبدان == والثوب يعفى عنه لا المكان
إن كان ذا قبل الصلاة وإذا == ما كان فيها فبعفوه خذا
{وَ} عفي عن نجاسة {بَلَلِ بَاسُورٍ} الباسور والناسور : ثئاليل في الدبر لها حكيك كلهيب النار. {فِـي يَدٍ إِنْ كَثُرَ الرَّدُ} بأن يزيد على المرّة في كلّ يوم، والظاهر أن يكون ثلاث مرات ، إذ لا مشقّة في غسل اليد إلا بالكثرة، ومثل اليد الخرقة المتخذة للرد بها. {أَوْ ثَوْبٍ} وبدنٍ، كثر الرد أم لا. بخلاف ثوب غيره .
قال بعضهم :
بلل باسور بثوب الغير == إن مسه محصل للضير
{وَ} عفي أيضا عن {ثَوْبِ}وجسد{مُرْضِعَةٍ} لولدها مطلقا ، أو غيره إن احتاجت للأجرة ، أو لم يوجد غيرها ، أو لم يقبل الولد سواها {تَـجْتَهِدُ} أي ما أصابها بعد التحفظ يعفى لها عنه ، لا إن لم تتحفظ ومثلها الكناف والجزار .
أحمد فال:
مرضعة الابن إذا ما تجتهد == في درء بول عن ثياب و جسد
فعنهما يعفى وفي المكان لا == إذ قد يخف عنه أن تنتقلا
(ومثلها من تحمل الصبيا == فطالع الميسر المرضيا)
والخلف في الغائط والمرضعة == سوى ابنها بحسب الضرورة
تنبيه : البيت الذي بين قوسين تذييل للبيتين الَّذينِ قبله .
{وَنُدِبَ لَهَا ثَوْبٌ لِلصَّلاَةِ} وكذلك يندب لكل من يعفى عن نجاسته كالجزار والكناف، بخلاف ذو سلس ودمل فلا يندب له إذ لا فائدة فيه، لأنه لا يعرف متى يأتيه، بل يندب لهم إعداد خرقة لدرء ذلك. قال بعضهم:
وصاحب السلس والدمل لا == يؤمر باتخاذ ملبوس خلا
ملبوسه عنيت في الصلاة == وذاك في الزرقاني مما ياتي
{وَ}يعفى عما {دُونَ دِرْهَمٍ} ولو تلفيقا مساحة لا وزنا ، أي لا عبرة بالكمية فقد يكون دونه في المساحة وهو قدره أو أكثر في الكمية كنقطة ثخينة . والمقصود بالدرهم : الدرهم البغلي، وهل هو منسوب للدائرة التي تكون في ذراع البغل ، أو إلى رأس البغل اسم لملك له دراهم معروفة .
محمد بن حمينَّ:
ودون درهم في الاصل بغلي == إذ هو منسوب لرأس البغل
أو هنة قل في الذارع بطنا == من بغلة مساحة لا وزنا
ولو بتلفيق وإن تعمدا == إصابة خرج عن ذاك المدى
الهنة : النقطة.
{مِنْ دَمٍ} منه أو من غيره {مُطْلَقًا}ولو دم حيض، أو خنزير، في ثوب أو بدن أو مكان،{وَقَـيْحٍ وَصَدِيدٍ} هما كالدّم من كلّ وجه.
وهذا العفو بقيود وهي: ما لم يتلطخ به عمدا، ولم يكن بقية أكثر، ولم يشب بنجاسة.
قال بعضهم:
تلطخ عمدا بدون درهم == من قيح أو صديد أو من الدم
فذاك ينفي العفو عنه وانظرا == لوامع الدرر والميسرا
{وَبَوْلِ}لا روث {فَرَسٍ}لا حمار {لغَازٍ} أصاب ثوبه أو بدنه قل أو كثر {بِأَرْضِ حَرْبٍ}لا أرض إسلام ، ولا يعتبر الاجتهاد عند وجود هذه الشروط ، وإذا فقدت فيشترط الاجتهاد والتحفظ حيث كانت الملابسة للدواب محتاجا إليها . {وَأَثَرِ} فم أو رجل{ذُبَابٍ} وكذا كل ما لا يمكن الاحتراز منه كبعوض ونمل صغير { مِنْ عَذِرَةٍ} ومن باب أولى غيرها . {وَمَوْضِعِ حِجَامَةٍ} أو فصد، فيعفى عن حكمه لا عينه والمراد بموضع الحجامة ما بين الشرطات لا الشرطات، حال كون الموضع {مُسِحَ} عنه الدم لما يتضرر به المحتجم من وصول الماء إلى ذلك المحل فرخص فيه ما لم يبرأ {فَإِذَا بَرِئَ} بتثليث الراء {غَسَلَ} وجوبا {وَإِلاَّ} بأن لم يمسح مع المرض ، أو لم يغسل مع البرء {أَعَادَ}المكلف {فِـي الْوَقْتِ وأُوِّلَ}في المدونة{بِالنِّسْيَانِ}فيعيد العامد والجاهل أبدا، وهذا تأويل أبي محمد ابن أبي زيد وابن يونس {وَبِالإِطْلاَقِ}فيشمل العامد والناسي، وهو لأبي عمران الفاسي.
قال شيخنا العلامة الشيخ بن حَمَّ -حفظه الله ورعاه-:
إنَّ النجاسة على أقسام = أربعة كما لدى الأعلام
ما عن قليله عفوا وما كثر = وهو الذي منه التحرز عسر
وما قليله بعفوهم رسخ = كقوله ” ودون درهم ” الخ
وما عن الأثر منه يعفى = لا عينِه مثال ذاك يُلفى
في قول صاحب الكفاف في الكفاف = وهاك ما قد قاله بلا خلاف
(وذيل مرأة لسترها مطال = ورجل إن مرا بيابس وزال
كفضلة الحمير في نعل وخف = ورجل عاجز وفي الضد اختلف
وموضع الحجم وقبل ودبر = فحكم نجس في الثماني لا يضر )
وما القليل والكثير ضرَّا = منه وذالك سوى ما مرا.
إلى اللقاء في الدرس القادم .
و كتب العبد الفقير إلى الله الغني به : عبد الله بن أحمد بن الب ، كان الله في عونه و والديه ، و رحم الله من قال ءامين.
المصدر: تدريس شيخنا العلامة الشيخ بن حَمَّ ، حفظه الله و رعاه ، آمين
السلام عليكم
باسم طلاب العلم أتقدم بكل الشكر والتقدير للقائمين على هذا الصرح العلمي المبارك لما قدموه من خدمة للعلم وتقريبه
فجزاهم الله خيرا عن الأمة الإسلامية ، وكما نصروا العلم فحقهم علينا أن نقف معهم صفا واحدا تقديرا وتشجيعا لجهودهم الخيِّرة فمن لا يشكر الناس لا يشكر الله
جزاكم الله خيرا ، وبارك فيكم
دروس مفيدة خصوصا لنا هنا في ارض الغربة فواصلو جزاكم الله احسن الجزاء
السلام عليکم جزاکم الله خيرا