الدرس الثاني والخمسون: من مختصر الشيخ خليل:
(فَصْلٌ) إنْ خِيفَ غَسْلُ جُرْحٍ كَالتَّيَمُّمِ مُسِحَ، ثُمَّ جَبِيرَتُهُ، ثُمَّ عِصَابَتُهُ: كَفَصْدٍ، وَمَرَارَةٍ، وَقِرْطَاسِ صُدْغٍ، وَعِمَامَةٍ خِيفَ بِنَزْعِهَا وَإِنْ بِغُسْلٍ، أَوْ بِلَا طُهْرٍ، وَانْتَشَرَتْ إِنْ صَحَّ جُلُّ جَسَدِهِ أَوْ أَقَلُّهُ وَلَمْ يَضُرَّ غَسْلُهُ وَإِلَّا فَفَرْضُهُ التَّيَمُّمُ كَأَنْ قَلَّ جِدًّا، كَيَدٍ وَإِنْ غَسَلَ أَجْزَأَ وَإِنْ تَعَذَّرَ مَسُّهَا وَهِيَ بِأَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ، تَرَكَهَا وَتَوَضَّأَ، وَإِلَّا فَثَالِثُهَا: يَتَيَمَّمُ إِنْ كَثُرَ، وَرَابِعُهَا: يَجْمَعُهُمَا وَإِنْ نَزَعَهَا لِدَوَاءٍ أَوْ سَقَطَتْ وَإِنْ بِصَلَاةٍ قَطَعَ وَرَدَّهَا وَمَسَحَ، وَإِنْ صَحَّ غَسَلَ وَمَسَحَ مُتَوَضٍّ رَأْسَهُ.
——————
(فَصْلٌ) في مسح الجرح أو الجبيرة، ولما كان المسح عليها رخصة في الطهارة المائية والترابية ناسب تأخير هذا الفصل عنهما.
قال بعضهم:
مسح الجبائر محلٍّ يُؤلـمُ == سيان فيه الغسل والتيمم
{إنْ خِيفَ غَسْلُ جُرْحٍ} بالضم اسم للمحل، خوفا {كَالتَّيَمُّمِ} أي كالخوف المبيح للتيمم {مُسِحَ} ذلك الجرح مباشرة، مرَّة واحدة ولو في موضع يغسل ثلاثا، وجوبا إن خيف هلاك أو شديد أذى، أو ذهاب سمع أو بصر، وندبا إن خيف أذى دون ذلك.
{ثُمَّ} إن لم يستطع المسح عليه مُسِحَتْ {جَبِيرَتُهُ} وهي ما يطيب به الجرح من ذرور أو أعواد أو غير ذلك، وإذا مسح على الجبيرة فإنه يعمها بالمسح وإلا لم يجزه {ثُمَّ} إن لم يقدر على مسح الجبيرة مسحت {عِصَابَتُهُ} وهي التي تُربط فوق الجبيرة، وكذا إن تعذر حلها، {كَفَصْدٍ} يحتمل أنه تمثيل ويحتمل أنه تشبيه، أي وكذلك يمسح على ما يسمى في العرف فصدا وهو شق العرق، فإنه يمسح عليه إن قدر وإلا فجبيرته، ثم عصابته {وَمَرَارَةٍ} تجعل على ظفر كسر ولو من غير مباح كمرارة خنزير للضرورة {وَ}كما يجوز المسح على {قِرْطَاسِ} يلصق على {صُدْغٍ} لصداع حيث كان لا يستطيع غسل الصدغ {وَعِمَامَةٍ خِيفَ بِنَزْعِهَا} ضرر.
قال بعضهم:
وقل لمن ضعف عن مسح الشعر == مسح العمامة يبيحه الضرر
ولبعضهم:
وابن هلال في النوازل سُئل == عمَّن إذا غسل رأسه فُعل
به كذا فقال مَسحه الصوابْ == واستبعدوا فتوى ابن رشد بالترابْ
{وَإِنْ} كان مسح الجبيرة وما بعدها {بِغُسْلٍ} وجب من حلال أو حرام لأن المعصية قد انقطعت فوقع الغسل المرخص فيه المسح وهو غير متلبس بالمعصية، {أَوْ} وضعت ابتداء {بِلَا طُهْرٍ} خلافا لمسح الخف في الفرعين {وَ}إن {انْتَشَرَتْ} وجاوزت محل الألم مالم تتجاوز محل الورم، لأن انتشارها من ضروريات الشد ومن لوازمه، ثم ذكر شرط المسح بقوله: {إنْ صَحَّ جُلُّ جَسَدِهِ} المطلوب غسله في الغسل والوضوء، لأن ما مسح حينئذ يصير تابع لما غسل {أَوْ} صح {أَقَلُّهُ} وكان أكثر من يد أو رجل {وَ}الحال أنه {لَمْ يَضُرَّ غَسْلُهُ} أي الصحيح الجريحَ في الصورتين فهو قيد فيهما {وَإِلَّا} بأن أضر غسل الصحيح بالجريح {فَفَرْضُهُ} أي حكمه لا بمعنى الوجوب لقوله: “وإن غسل أجزأ” {التَّيَمُّمُ} لأنه صار كمن عمته الجراح {كَأَنْ قَلَّ} الصحيح {جِدًّا، كَيَدٍ} أو رجل ففرضه التيمم ولو لم يضر غسله إذ التافه لا حكم له {وَإِنْ} تكلف و{غَسَلَ} الجميع {أَجْزَأَ} لإتيانه بالأصل، لا إن غسل الصحيح الذي يضر غسله ومسح الجريح، لأنه لم يأت بالأصل ولا بالبدل، ونقل الحطاب عن ابن ناجي الإجزاء، {وَإِنْ تَعَذَّرَ} أو شق {مَسُّهَا} غسلا ومسحا وترابا {وَهِيَ} أي الجراح {بِأَعْضَاءِ تَيَمُّمِهِ} والمراد بها الأعضاء الواجبة أي الوجه واليدان للكوعين، {تَرَكَهَا وَتَوَضَّأَ} لأن الوضوء الناقص أولى من التيمم الناقص، {وَإِلَّا} بأن كانت في غير أعضاء التيمم، فقيل يتوضأ لأن الطهارة المائية لا يعدل عنها للترابية ما دام مقدورا عليها كلا أو بعضا، وقيل يتيمم لأن التيمم التام أولى من الوضوء الناقص{فَثَالِثُهَا} وهو قول ابن بشير {يَتَيَمَّمُ إنْ كَثُرَ} الجراح بناء على أن الأقل تابع للأكثر، {وَرَابِعُهَا} وهو لبعض شيوخ عبد الحق: {يَجْمَعُهُمَا} أي التيمم وغسل الصحيح، سواء قلت الجراحات أو كثرت.
قال محمد الأمير ملغزا:
ألا يا فقيه العصر إني رافع == إليك سؤالا حار مني به الفكر
فأي وضوء أبطلته صلاته == فما السِّر في هذا فدونك يا حبر
وليس جوابا لي إذا كنت سائلا == وضوء صحيح في تجدده نذر
جوابه:
فدونك قد ألغزت لكن جوابه == وضوء جريح والصعيد له شطر
وقال محمد ابن حمينَّ:
أي شخص أمنى بأثنا صلاة == لم يزل في صلاته مستقيما
ثم مس العسيب لم ينتقض الطهْـــ== ــر فبين لكي تكون حكيما
فأجابه محمد سالم ابن ألما:
يا رائما بقريض الشعر يعجزنا == هاك الجواب الذي ما فيه تكذيب
فصاحب المني من صلى بأرض منى == وصاحب المس ضرته العقاريب
لكن فأي وضوء صار منتقضا == وما له ناقض في الكتب مكتوب
فأجابه محمد ابن حمينَّ:
يا ناحيا نحونا والفقه مبتليا == هذا الجواب الذي في الصدر مربوب
فإن يك الجرح في أعضا الوضوء أتى == فالجمع حينئذ للكل مطلوب
{وَإِنْ نَزَعَهَا} أي الأمور الحائلة: من جبيرة وعصابة ومرارة وقرطاس وعمامة بعد المسح عليها {لِدَوَاءٍ} أو غيره {أَوْ سَقَطَتْ} بنفسها، هذا إن كان في غير صلاة بل {وَإِنْ بِصَلَاةٍ قَطَعَ} لأنها بطلت عليه، لتعلق الحدث بذلك المحل {وَرَدَّهَا وَمَسَحَ} كالموالاة، {وَإِنْ صَحَّ} أي برئ الجرح وما في معناه وهو على طهارته {غَسَلَ} ما حقه الغسل كرأس في جنابة، ومسح ما حقه المسح كصماخ أذن {وَمَسَحَ مُتَوَضٍّ} ماسح على عمامته مثلا {رَأْسَهُ} ولو قال المصنف: “وإن صح فعل الأصل” لكان أخصر وأشمل.
وكتب العبد الفقير إلى الله الغني به عبد الله بن أحمد بن الْبُ . وكان مصدر هذا التدريس: تدريس شيخنا العلامة الشيخ بن حم -حفظه الله ورعاه-.