الدرس الرابع والخمسون من مختصر الشيخ خليل:
(فَصْلٌ) الْحَيْضُ دَمٌ، كَصُفْرَةٍ أَوْ كُدْرَةٍ، خَرَجَ بِنَفْسِهِ مِنْ قُبُلِ مَنْ تَحْمِلُ عَادَةً وَإِنْ دُفْعَةً وَأَكْثَرُهُ لِمُبْتَدَأَةٍ نِصْفُ شَهْرٍ، كَأَقَلِّ الطُّهْرِ وَلِمُعْتَادَةٍ ثَلَاثَةٌ اسْتِظْهَارًا عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا مَا لَمْ تُجَاوِزْهُ، ثُمَّ هِيَ طَاهِرٌ وَلِحَامِلٍ بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ النِّصْفُ وَنَحْوُهُ، وَفِي سِتَّةٍ فَأَكْثَرَ عِشْرُونَ يَوْمًا وَنَحْوُهَا، وَهَلْ مَا قَبْلَ الثَّلَاثَةِ كَمَا بَعْدَهَا أَوْ كَالْمُعْتَادَةِ ؟ قَوْلَانِ. وَإِنْ تَقَطَّعَ طُهْرٌ لَفَّقَتْ أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ عَلَى تَفْصِيلِهَا، ثُمَّ هِيَ مُسْتَحَاضَةٌ، وَتَغْتَسِلُ كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ، وَتَصُومُ وَتُصَلِّي وَتُوطَأُ وَالْمُمَيَّزُ بَعْدَ طُهْرٍ تَمَّ حَيْضٌ وَلَا تَسْتَظْهِرُ عَلَى الْأَصَحِّ.
——————
{الْحَيْضُ دَمٌ} صوابه: الدم حيض {كَصُفْرَةٍ} شيء كالصديد تعلوه صفرة {أَوْ كُدْرَةٍ} بضم الكاف شيء كدر، وكان الأولى أن يقول: “أو صفرة أو كدرة” بالعطف. {خَرَجَ بِنَفْسِهِ} لا بعلاج قبل وقته المعتاد، ولا بسبب ولادة، ولا بافتضاض بكر، ولا غير ذلك.
قال عبد الله ابن محمد سالم:
إذا شربت هند لأن ترفع الدما== عن الزمن المعتاد بالطهر فاحكما
وذلكم فرع السماع وإن يكن == لتعجيل طهر من دم صب عندما
تكن طاهرا أيضا وذاك لمن إلى == كنانة بحر العلم والسؤدد انتمى
وما فعلت بالكره صفه وإن يكن == لتعجيل حيض قبل إبانه فما
تنال الذي قد حاولت من براءة == لشيخ خليل دون ريب وأحجما
عن الصوم منها والصلاة وصححوا == أداءهما والصوم تقضي محتما
تذييل لشيخنا العلامة الشيخ بن حَمَّ:
وإن تك في إبان إتيانه وقد == ألم بذا الإبان داء له حمى
فرامت بإعمال الدواء نزوله == ولم تدر إذ جاء المرام متمما
فذلك في البابين حيض لديهم == وقد نقل الزرقاني ذاك وأحكم
{مِنْ قُبُلِ} لا من دبر ولا من ثقبة {مَنْ تَحْمِلُ عَادَةً} وهي بنت تسع، لا بنت سبع أو سبعين، وسئل النساء عن بنت الخمسين إلى السبعين فإن شككن فحيض.
قال أحمد بن عفان:
لم يأت حيض دون تسع قطعا == أما إذا حازت سنين تسعا
فلتسأل النساء للمراهقه == وما أتى بعدُ فحيض حققه
وثم هكذا إلى خمسينا == وتسأل النسا من الخمسينا
إلى بلوغها لسن السبعين == العدويُّ ليس ذا حيضا يبين
{وَإِنْ دُفْعَةً} بضم الدال: قطرة، ويحتمل بالفتح: مرة، وكلاهما صحيح والأول أولى، والقطرة حيض بالنسبة للعبادة، وأما في العدة والاستبراء فلا بد من يوم أو بعضه. {وَأَكْثَرُهُ لِمُبْتَدَأَةٍ} غير حامل تمادى بها {نِصْفُ شَهْرٍ} تام، وتحسب كل يوم رأت فيه قطرة دم، {كَأَقَلِّ الطُّهْرِ} فإنه نصف شهر لمبتدأة وغيرها، ولا حد لأكثره.
قال محمد ابن آبَّ:
أبو حنيفة الكثير الفيض == يوم ويومان أقل الحيض
واليوم والليلة عند الشافعي == المقتفي سنة خير شافع
إمامنا مسهِّل السبيل == مذهبه لا حد للقليل
تذييل لشيخنا العلامة الشيخ بن حَمَّ:
مراده باليوم واليومين == ثلاثة الأيام دون مين
وقال بعضهم:
الحيض منتهاه نصف شهر == ثم الخلاف في أقل الطهر
فلابن ماجشون خمسة تعد == وابن حبيب عشرة فيما ورد
سحنون قدما عدها ثمانيه == ما زادها في السر والعلانيه
مشهوره بنصف شهر حدا == فاسمع لذا وكن به معتدا
{وَ}أكثره {لِمُعْتَادَةٍ} غير حامل أيضا، وهي التي سبق لها حيض ولو مرة، لأن العادة تتقرر بالمرة.
قال بعضهم:
بالمرة العادة تحصل لدى == مذهب من للشافعي قلدا
وظاهر ابن قاسم في الواضحه == كذاك والأم إليه جانحه
وفي الذخيرة عن النعمان == شرط حصول العاد مرتان
لأنها مشتقة من عادا == وذا له گنون قد أفادا
{ثَلَاثَةٌ} من الأيام تزيدها المرأة {اسْتِظْهَارًا} أي طلبا لظهور أمرها {عَلَى أَكْثَرِ عَادَتِهَا} أياما لا مجيئا، فإذا اعتادت خمسة ثم تمادى مكثت ثمانية، فإن تمادى في المرة الثالثة مكثت أحد عشر ولا تستظهر على الخمسة التي هي عادتها الأولى ولو كانت أكثر وقوعا، فإن تمادى في الرابعة مكثت أربعة عشر، فإن تمادى في مرة أخرى لا تزيد على الخمسة عشر كما أشار له بقوله: {مَا لَمْ تُجَاوِزْهُ} أي نصف الشهر فمَن اعتادته لا تستظهر، ومَن اعتادت أربعة عشر زادت يوما، وثلاثة عشر زادت يومين، {ثُمَّ هِيَ} بعد الاستظهار أو بلوغ نصف الشهر {طَاهِرٌ} حقيقة تصوم وتصلي وتطوف وتوطأ والدم نازل عليها، لأنه استحاضة لا حيض هذا مذهب المدونة وقيل: طاهر حكما. {وَ}أكثره {لِحَامِلٍ} بناء على أنها تحيض {بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَشْهُرٍ} إلى ستة أشهر {النِّصْفُ} أي نصف شهر {وَنَحْوُهُ} أي خمسة أيام، فالجملة عشرون {وَفِي} دخول {سِتَّةٍ} على المعتمد، لا مضيها {فَأَكْثَرَ} إلى آخر الحمل {عِشْرُونَ يَوْمًا وَنَحْوُهَا} أي عشرة أيام فالجملة ثلاثون، {وَهَلْ} حكم {مَا} أي الدم الذي {قَبْلَ الثَّلَاثَةِ} صوابه: “وهل ما قبل الثالث”، بأن حاضت في الأول أو الثاني {كَمَا بَعْدَهَا} في أن أكثره لها عشرون يوما {أَوْ كَالْمُعْتَادَةِ ؟} صوابه: “أو كالحائل”، تمكث عادتها وتستظهر على التحقيق {قَوْلَانِ} أرجحهما الثاني. {وَإِنْ تَقَطَّعَ طُهْرٌ} أي تخلله دم {لَفَّقَتْ} أي جمعت {أَيَّامَ الدَّمِ فَقَطْ} وألغت أيام الطهر {عَلَى تَفْصِيلِهَا} المتقدم، {ثُمَّ هِيَ} بعد ذلك {مُسْتَحَاضَةٌ، وَتَغْتَسِلُ} وجوبا {كُلَّمَا انْقَطَعَ الدَّمُ} عنها في أيام التلفيق، لأنها لا تدري هل يعاودها دم أم لا {وَتَصُومُ} إن طهرت قبل الفجر {وَتُصَلِّي} بعد طهرها، فيمكن أنها تصلي وتصوم في جميع أيام الحيض، بأن كان يأتيها ليلا وينقطع قبل الفجر حتى يغيب الشفق فلا يفوتها شيء من الصلاة والصوم، وتدخل المسجد وتطوف الإفاضة، إلا أنه يحرم طلاقها ويجبر على مراجعتها. {وَتُوطَأُ} بعد طهرها على المعروف من المذهب خلافا لصاحب الإرشاد حيث قال: لا يجوز وطؤها، {وَ}الدم {الْمُمَيَّزُ} في زمن الاستحاضة بتغير رائحة، أو لون، أو رقة، أو غلظ، أو بتألمها، لا بكثرة أو قلة لتبعيتهما للمزاج. قال بعضهم:
باللون والريح وبالتألم == وغلظ ورقة ميز الدم
لا كثرة وقلة حرارةِ == بُرودة وصفرة وكدرة
لا كثرة وقلة لأنهما تابعان للغذاء. حرارة برودة لأنهما تابعان للزمان. وصفرة وكدرة لأنهما إن كانا في زمن الحيض فحيض وإلا فلا.
{بَعْدَ طُهْرٍ تَمَّ} أي خمسة عشر يوما {حَيْضٌ} فإن لم تميز فهي مستحاضة ولو مكثت طول عمرها، وكذا لو ميزت قبل تمام الطهر فهي مستحاضة {وَلَا تَسْتَظْهِرُ} المميزة بل تقتصر على عادتها {عَلَى الْأَصَحِّ} وترجع مستحاضة كما كانت قبل التمييز، وهذا قول مالك وابن القاسم، خلافا لابن الماجشون حيث قال باستظهارها على أكثر عادتها.
من تدريس شيخنا العلامة الشيخ بن حم.