بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم
إعداد الأستاذ محمد عالي بن امد.
بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على نبيه الكريم
مبتدأ زيد وعاذر خبر … إن قلت زيد عاذر من اعتذر
وأول مبتدأ والثاني فاعل … اغنى في أسار ذان
وقس وكاستفهام النفي وقد … يجوز نحو فائز أولو الرشد
ذكر المصنف أن المبتدأ على قسمين: مبتدأ له خبر؛ ومبتدأ له فاعل سد مسد الخبر. فمثال الأول: زيد عاذر من اعتذر، والمراد به: ما لم يكن المبتدأ فيه وصفا مشتملا على ما يذكر في القسم الثاني فزيد: مبتدأ، وعاذر: خبره، ومن اعتذر: مفعول لعاذر، ومثال الثاني: أسار ذان، فالهمزة للاستفهام، وسار مبتدأ، وذان فاعل سد مسد الخبر، ويقاس على هذا ما كان مثله، وهو: كل وصف اعتمد على استفهام أو نفي نحو: أقائم الزيدان وما قائم الزيدان، فإن لم يعتمد الوصف لم يكن مبتدأ، وهذا مذهب البصريين إلا الأخفش، ورفع فاعلا ظاهرا كما مثل أو ضميرا منفصلا نحو: أقائم أنتما، وتم الكلام به فإن لم يتم به الكلام لم يكن مبتدأ نحو: أقائم أبواه زيد فزيد: مبتدأ مؤخر، وقائم خبر مقدم، وأبواه فاعل بقائم، ولا يجوز أن يكون قائم مبتدأ لأنه لا يستغني بفاعله حينئذ إذ لا يقال: أقائم أبواه فيتم الكلام، وكذلك لا يجوز أن يكون الوصف مبتدأ إذا رفع ضميرا مستترا فلا يقال: في ما زيد قائم ولا قاعد إن قاعدا مبتدأ والضمير المستتر فيه فاعل أغنى عن الخبر لأنه ليس بمنفصل على أن في المسألة خلافا.
ولا فرق بين أن يكون الاستفهام بالحرف كما مثل أو بالاسم كقولك: كيف جالس العمران، وكذلك لا فرق بين أن يكون النفي بالحرف كما مثل أو بالفعل كقولك: ليس قائم الزيدان، فليس فعل ماض ناقص، وقائم اسمه، والزيدان فاعل سد مسد خبر ليس، وتقول: غير قائم الزيدان، فغير مبتدأ وقائم مخفوض بالإضافة والزيدان فاعل بقائم سد مسد خبر غير لأن المعنى: ما قائم الزيدان، فعومل غير قائم معاملة ما قائم ومنه قوله:
غير لاه عداك فاطرح الـ=ـلهو ولا تغترر بعارض سلم
فغير مبتدأ ولاه مخفوض بالإضافة وعداك فاعل بلاه سد مسد خبر غير ومثله قوله:
غير مأسوف على زمن = ينقضي بالهم والحزن
فغير مبتدأ ومأسوف مخفوض بالإضافة وعلى زمن جار ومجرور في موضع رفع بمأسوف لنيابته مناب الفاعل وقد سد مسد خبر غير.
وقد سأل أبو الفتح بن جني ولده عن إعراب هذا البيت فارتبك في إعرابه، ومذهب البصريين إلا الأخفش أن هذا الوصف لا يكون مبتدأ إلا إذا اعتمد على نفي أو استفهام. وذهب الأخفش والكوفيون إلى عدم اشتراط ذلك فأجازوا: قائم الزيدان فقائم مبتدأ والزيدان فاعل سد مسد الخبر. وإلى هذا أشار المصنف بقوله:
“وقد يجوز نحو فائز أولو الرشد” أي وقد يجوز استعمال هذا الوصف مبتدأ من غير أن يسبقه نفي أو استفهام وزعم المصنف أن سيبويه يجيز ذلك على ضعف ومما ورد منه قوله:
فخير نحن عند الناس منكم = إذا الداعي المثوب قال: يالا
فخير: مبتدأ ونحن فاعل سد مسد الخبر ولم يسبق خير نفي ولا استفهام وجعل من هذا قوله:
خبير بنو لهب فلا تك ملغيا = مقالة لهبي إذا الطير مرت
فخبير: مبتدأ وبنو لهب: فاعل سد مسد الخبر.
والثان مبتدأ وذا الوصف خبر … إن في سوى الإفراد طبقا استقر
فإن تطابقا إفرادا نحو أقائم زيد جاز فيه وجهان:
أحدهما: أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر.
والثاني: أن يكون ما بعده مبتدأ مؤخرا ويكون الوصف خبرا مقدما ومنه قوله تعالى: {أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ} فيجوز أن يكون أراغب مبتدأ وأنت فاعل سد مسد الخبر ويحتمل أن يكون أنت مبتدأ مؤخرا، وأراغب خبرا مقدما.
والأول في هذه الآية أولى لأن قوله: عن آلهتي معمول لراغب فلا يلزم في الوجه الأول الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي، لأن أنت على هذا التقدير فاعل لراغب فليس بأجنبي منه. وأما على الوجه الثاني فيلزم فيه الفصل بين العامل والمعمول بأجنبي لأن أنت أجنبي من راغب على هذا التقدير لأنه مبتدأ فليس لراغب عمل فيه لأنه خبر والخبر لا يعمل في المبتدأ على الصحيح.
وإن تطابقا تثنية نحو: أقائمان الزيدان، أو جمعا نحو: أقائمون الزيدون، فما بعد الوصف مبتدأ والوصف خبر مقدم وهذا معنى قول المصنف: والثان مبتدأ وذا الوصف خبر إلى آخر البيت. أي والثاني وهو ما بعد الوصف – مبتدأ والوصف خبر عنه مقدم عليه إن تطابقا في غير الإفراد وهو التثنية والجمع – هذا على المشهور من لغة العرب
ويجوز على لغة أكلوني البراغيث أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل أغنى عن الخبر.
وإن لم يتطابقا وهو قسمان: ممتنع وجائز كما تقدم فمثال الممتنع: أقائمان زيد، وأقائمون زيد، فهذا التركيب غير صحيح. ومثال الجائز أقائم الزيدان وأقائم الزيدون. وحينئذ يتعين أن يكون الوصف مبتدأ وما بعده فاعل سد مسد الخبر.
ورفعوا مبتدأ بالابتدا … كذاك رفع خبر بالمبتدا
مذهب سيبويه وجمهور البصريين أن المبتدأ مرفوع بالابتداء وأن الخبر مرفوع بالمبتدأ. فالعامل في المبتدأ معنوي وهو كون الاسم مجردا عن العوامل اللفظية غير الزائدة وما أشبهها، واحترز بغير الزائدة من مثل: بحسبك درهم فبحسبك مبتدأ وهو مجرد عن العوامل اللفظية غير الزائدة ولم يتجرد عن الزائدة فإن الباء الداخلة عليه زائدة، واحترز بشبهها من مثل: رب رجل قائم فرجل مبتدأ وقائم خبره ويدل على ذلك رفع المعطوف عليه نحو: رب رجل قائم وامرأة.
والعامل في الخبر لفظي وهو المبتدأ وهذا هو مذهب سيبويه رحمه الله وذهب قوم إلى أن العامل في المبتدأ والخبر الابتداء فالعامل فيهما معنوي وقيل المبتدأ مرفوع بالابتداء والخبر مرفوع بالابتداء والمبتدأ وقيل ترافعا ومعناه أن الخبر رفع المبتدأ وأن المبتدأ رفع الخبر وأعدل هذه المذاهب مذهب سيبويه وهو الأول وهذا الخلاف مما لا طائل فيه .
طرر الأبيات:
ولم يحد الناظم المبدأ بل اكتفى بالمثال فقال: مبتدأ زيد … وحده الموضح بقوله: اسم أو بمنزلته مجرد من العوامل اللفظية أو بمنزلته مخبر عنه أو وصف سابق رافع ما انفصل وأغنى فاسم نحو الله ربنا ومحمد نبينا، أو بمنزلته نحو: {وأن تصوموا خير لكم}، والمجرد كما مثلنا، والذي بمنزلة المجرد نحو: بحسبك درهم لأن وجود الزائد كلا وجود، والوصف المجرد نحو أقائم زيد، أو بمنزلته نحو: {هل من خالق غير الله}
مبتدأ زيد وعاذر خبر = إن قلت زيد عاذر من اعتذر
وأول مــبتدأ والثاني =فاعل أغنى في أسار ذان
{وأول} من الجزأين الآتيين {مبتدأ والثاني} منهما {فاعل أغنى} عن خبر {في} قولك {أسار ذان} الرجلان، وقوله:
أمرتَجِعٌ لي مثل أيام خَنة = وأيام ذي قار علي الرواجع
وقوله:
أمنجز أنتم وعدا وثقت به = أم اقتفيتم جميعا نهج عرقوب
وقوله:
أقاطن قوم سلمى أم نووا ظعنا= إن يظعنوا فعجيب عيش من قطنا
وكيف قائم الزيدان.
{وقس} على هذين المثالين ما أشبههما من كل ما عدم حقيقة أو حكما عاملا لفظيا من مخبر عنه، أو وصف سابق رافع ما انفصل وأغنى، أو بمنزلته، ويشترط في الوصف المذكور أن يكون معتمدا على استفهام كما مر. {وكاستفهام النفي} الصالح لمباشرة الاسم في ذلك مطلقا كقوله:
خليلي ما وافٍ بعهدي أنتما= إذا لم تكونا لي على من أقاطع
وقوله:
فما باسطٌ خيرا ولا دافع أذى = من الناس إلا أنتم آل دارم
وقوله:
غيرُ مأسوفٍ على زمنٍ =ينقضي بالهم والحزن
وقوله:
غيرُ لاهٍ عداكَ فاطرح اللهــــ=ـــو ولا تغترر بعارض سِلم
وليس قائم الزيدان، وإنما قائم العمران، ولا نولك أن تفعل كذا.
{وقد} قال الأخفش والكوفيون {يجوز} الابتداء بالوصف المذكور من غير اعتماد على نفي أو استفهام {نحو فائز أولو الرشد} وهو قليل جدا، ولا حجة لهم في قوله:
خبيرٌ بنو لِهب فلا تك ملغيا = مقالة لِهبي إذا الطير مرت
لجواز أن يكون الوصف خبرا على حد قوله تعالى: {والملائكة بعد ذلك ظهير} وقوله:
يعادين من شيبه قد بدا = وهن صديقٌ لمن لم يَشِبْ
{والثاني} من الجزأين المتقدمين {مبتدأ} مؤخر {وذا الوصف} المذكور {خبر} مقدم {إن في سوى الإفراد طبقا استقر} ولا يجوز العكس إلا على لغة أكلوني البراغيث لشبه الوصف بالفعل، ولذا لا يوصف ولا يصغر ولا يعرف فإن لم يطابقه تعينت ابتدائية الوصف، وإن طابقه في الإفراد احتملهما.
{ ورفعوا مبتدأ بالابتدا} وهو التجرد من العوامل اللفظية للإسناد. {كذاك رفع خبر بالمبتدا} خلافا لمن رفعهما به أو بهما الخبر، وقيل ترافعا.
{والخبر الجزء المتم الفائدة} التامة بنفسه أو بمتعلقه مع مبتدا غير الوصف المذكور وذلك {كالله بر والأيادي شاهدة} على ذلك، ونحو {بل أنتم قوم تفتنون}