الدرس الثاني والستون من سلسلة دروس مختصر الشيخ خليل.
وَأُمِرَ صَبِيٌّ بِهَا لِسَبْعٍ وَضُرِبَ لِعَشْرٍ وَمُنِعَ نَفْلٌ وَقْتَ طُلُوعِ شَمْسٍ وَغُرُوبِهَا وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ وَكُرِهَ بَعْدَ فَجْرٍ وَفَرْضِ عَصْرٍ، إِلَى أَنْ تَرْتَفِعَ قِيدَ رُمْحٍ، وَتُصَلَّى الْمَغْرِبُ إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ، وَالْوِرْدَ قَبْلَ الْفَرْضِ لِنَائِمٍ عَنْهُ وَجِنَازَةً وَسُجُودَ تِلَاوَةٍ قَبْلَ إِسْفَارٍ وَاصْفِرَارٍ، وَقَطَعَ مُحْرِمٌ بِوَقْتِ نَهْيٍ.
——–
{وَأُمِرَ صَبِيٌّ} ندبا ذكرا كان أو أنثى، وإن لم يفد الأمر لخفته، كولي على التحقيق فكل منهما مأمور مأجور على المعتمد، لكن الولي مأمور بالأمر بها والصبي مأمور بفعلها، وهذا أي كون الصبي مأمورا من جهة الشارع بفعلها بناء على أن الأمر بالأمر بالشيء أمر بذلك الشيء، وعلى هذا فالصبي مكلف بالمندوبات والمكروهات، والبلوغ إنما هو شرط في التكليف بالواجبات والمحرمات.
وقال سيد عبد الله في مراقي السعود:
وكلف الصبي في الذي اعتمي == بغير ما وجب والمحرم
فالواجب له مندوب، والمحرم عليه مكروه.
(مسألة) : اختلف في أجر الصبي فقيل لا ثواب له على فعله وإنما أمر بالعبادة على سبيل الإصلاح كرياضة الدابة لحديث: « رفع القلم عن ثلاثة: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصبي حتى يشب، وعن المعتوه حتى يعقل »[1]، وعليه فقيل: ثوابه لوالديه، قيل على السواء، وقيل: ثلثاه للأم. الجزولي: ويرده حديث: «إن الصبيان يتفاوتون في الدرجات في الجنة على قدر أعمالهم في الدنيا كما تتفاوت الكبار»، ويؤيده قوله تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾ . انتهى من لوامع الدرر.
قال أحمد فال بن محمذ فال:
الخلف في أجر الصبي وقعا == فقيل بين والديه ما سعى
مناصفا وقيل لا بل ثلثاه == لأمه وثلثا يعطى أباه
وقيل إن لأبيه ثلثيْه == وقيل لا حظ به لوالديْه
{بِهَا} أي الصلاة المفهومة من السياق {لِسَبْعٍ} اللام للدخول أي عند الدخول في السنة السابعة وذلك وقت الإثغار[2]، {وَضُرِبَ لِعَشْرٍ} أي لدخوله فيها ضربا مؤلما غير مبرح وهو الذي لا يكسر عظما ولا يشين جارحة. إن لم ينزجر بغيره وظن الإفادة وإلا فلا لأن الوسيلة إذا لم يترتب عليها مقصدها لم تشرع.
قال عبد الله بن مختارنا:
واقتص من مؤدب زاد على == ثلاث أسواط على ما نقلا
عن أشهب المواق عند فرع == وأمر الصبي بها لسبع
وفي الحديث: « مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع» والتفرقة مندوبة عند العشر على الراجح، وقيل عند السبع، فالراجح أنها راجعة لآخر الحديث، وقيل لأوله، وهو لابن القاسم.
– قال محمد سالم بن ألما:
الأمر والضرب على الدخول == ترتبا واختر من النقول
تفرقة الصبيان عند العشر == لا كونها زمان عشر تجري
– وقال مم بن عبد الحميد:
هل الخطاب لصبي أو ولي == أو لهما وذا الأخير فضل
وهل على الولي ندب أو يجب == عليه والمشهور أنه ندب
والأمر والضرب لدى الدخول == كما هو المفهوم من نقول
تفرقة بفرش أو أثواب == قولان موجودان في الحطاب
إن فعلت لسبعة فذا الحسن == وإن لعشرة فواسع إذن
وقد نهي عن تجرد الصبي == عند بلوغ عشرة مع الأب
أو غيره والضرب للحفظ إلى == ثلاثة فإن وإلا جعلا
لعشرة فإن وإلا زيدا == وشتمه بالقرد عنه حيدا
– وقال محمد سالم ابن ألما:
حاصل ما في العدوي من تلا == صق لبالغين حيث حصلا
مع قصد أو وجدان أو كليهما == معا تلاصقا بعورتيهما
أو غير عورتيهما بحائل == أو دونه فذا جميعه احظل
وحيثما انتفى الذي تقدما == تلاصق العورات منهم حرما
بدون حائل وللبناني == بحائل والكره للزرقاني
وإن تلاصقا بغير العورهْ == بحائل جاز وإلا يكرهْ
– قال محمد يحيى بن ابوه:
تلاصق الصبيان جائز بلا == كره بغير العورتين مسجلا
وبهما يكره دون حاجز == وهو في الحاجز جد جائز
محل هاذين إذا لم يقصدا == أو يجدا أو يقصدا ويجدا
إلا فيكره لدى الزرقاني == والمنع في الست رأى البناني
وقال بل يجب منعه كما == يجب من جميع ما قد حرما
فالكره للصبي لا الولي == كما لدى الزرقاني والخرشي
وللأمير الكره للصبيان == والمنع للولي كالبناني
{وَمُنِعَ نَفْلٌ} والمراد به ما قابل الفرض الوقتي، فيشمل الجنازة، وقضاء النفل المفسد، وكذا المنذور الذي قيد نذره بوقت منع أو كراهة. {وَقْتَ طُلُوعِ شَمْسٍ} أي ظهور حاجبها إلى ارتفاع جميعها {وَغُرُوبِهَا} أي عند غيبوبة أدنى جزء منها ويستمر المنع لغيبوبة جميعها، ففي الحديث: «إذا بدا حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تبرز، وإذا غاب حاجب الشمس فأخروا الصلاة حتى تغرب»[3] {وَخُطْبَةِ جُمُعَةٍ} وأما خطبة غيرها فلا يحرم النفل وقتها بل يكره، وكذا يمنع النفل عند إقامة لراتبٍ، وتذكر فائتة، وضيق وقت الحاضرة.
(تنبيه): اعلم أن منع النفل في الأوقات الثلاثة التي ذكرها إذا كان النفل مدخولا عليه وإلا فلا منع، كما إذا شرع في صلاة العصر عند الغروب مثلا، أو في صلاة الصبح عند الخطبة، فبعد أن عقد منها ركعة تذكر أنه كان قد صلاها فإنه يشفعها ولا حرمة لأن هذا النفل غير مدخول عليه. اهـ من الدسوقي.
{وَكُرِهَ} النفل بالمعنى المتقدم {بَعْدَ فَجْرٍ} إلا ما سياتي، ولو لداخل مسجد، ولا يطالب بتحية مسجد خلافا للخمي. {وَ}كره النفل بعد {فَرْضِ عَصْرٍ} أي من صلى العصر يكره له أن يتنفل بعدها، لا بعد أذانه، ولا بعد صلاة غيره للعصر. {إلَى أَنْ تَرْتَفِعَ} الشمس {قِيدَ} بكسر القاف أي قدر {رُمْحٍ} من رماح العرب وهي اثنا عشر شبرا بشبر متوسط، أي ستة أذرع. وفي الحديث: «وتزول منها الحمرة»[4]، وهو تفسير لارتفاعها قيد رمح. قال يحظيه بن عبد الودود:
وقيد رمح لزوال الحمرة == فسر في الحديث دون مرية
وهذا راجع لقوله: “وكره بعد فجر” وحاصله أنه تمتد كراهة النفل بعد الفجر إلى أن يظهر حاجب الشمس فيحرم النفل، إلى أن يتكامل ظهور قرصها فتعود الكراهة، إلى أن ترتفع الشمس قيد رمح. فهو المنع بين الكراهتين كما في الفرع الموالي. {وَتُصَلَّى الْمَغْرِبُ} راجع لقوله: “بعد فرض عصر”، فإن دخل المسجد قبل إقامتها جلس. {إلَّا رَكْعَتَيْ الْفَجْرِ} استثناء من قوله: “وكره بعد الفجر”، أي يكره التنفل بعد طلوع الفجر إلا ركعتي الفجر وإلا الشفع والوتر بلا شرط. {وَ}إلا {الْوِرْدَ} أي صلاة الليل {قَبْلَ الْفَرْضِ} أي الصبح، وكون الورد الليلي يصلى بعد طلوع الفجر إنما هو {لِنَائِمٍ عَنْهُ} غلبة، وكانت عادته الانتباه، ولم يخش به إسفارا، ولا فوات جماعة. {وَ}إلا {جِنَازَةً} لم يخش تغيرها {وَسُجُودَ تِلَاوَةٍ} فلا يكرهان بعد الفجر والعصر {قَبْلَ إسْفَارٍ وَاصْفِرَارٍ} لا فيهما فيكرهان على المعتمد. قال بعضهم:
أعد صلاة لجنازة إنِ == بوقت منع صليت لم تدفن
تغيرا لم تخش لابن القاسم == وأشهب بذاك غير حاكم
ومطلقا في غير الإعادهْ == لم تطلب الزرقاني ذا أفاده
{وَقَطَعَ} والأمر بالقطع مشعر بانعقاده، وبنى عليه بعضهم الثواب، وقيل لا ينعقد، وهذا في المحرم بوقت منع، وأما المحرم بوقت كراهة فهي منعقدة في حقه اتفاقا {مُحْرِمٌ} بنافلة {بِوَقْتِ نَهْيٍ} وجوبا إن كان وقت تحريم وندبا إن كان وقت كراهة، لأنه لا يتقرب إلى الله بما نهى عنه، ولا قضاء عليه لأنه مغلوب على القطع.
قال محمد مولود بن أحمد فال:
أما تطوعهما فلا يجب == قضاء ما على فساده غُلب
قال بعضهم:
النفل إن أُفسد فالقضاء == وقت الإباحة له إمضاء
لا وقت نهي ثم هذا استظرفهْ == إمامنا الوانوغي وابن عرفهْ
–قال محمد مولود بن أحمد فال:
من دخل النفل وجاء وقت == نهي يخفف ولا يبت
وكتب عبيد ربه عبد الله بن أحمد بن الب، كان الله في عونهم.
المصدر: تدريس شيخنا العلامة الشريف الشيخ بن حم، شيخ محظرة الشرفاء في ابير التورس
[1] – الترمذي، كتاب الحدود، رقم الحديث: 1428. – المستدرك، ج 1 ص 258 بلفظ: “رفع القلم عن ثلاث”.
[2] – يقال أثغر الصبي بسكون المثلثة إذا سقطت أسنانه، وإذا نبتت، والمراد هنا المعنى الأول.
[3]– مسلم في كتاب صلاة المسافرين.
[4]– الموطأ، كتاب وقوت الصلاة، الحديث: 23.
[5]– واختار سند بن عنان في الطراز عدم الإعادة.