درسنا اليوم هو الدرس السادس والأربعون: من مختصر الشيخ خليل.
{(فَصْلٌ) يَتَيَمَّمُ ذُو مَرَضٍ وَسَفَرٍ أُبِيحَ، لِفَرْضٍ وَنَفْلٍ، وَحَاضِرٌ صَحَّ لِجِنَازَةٍ إنْ تَعَيَّنَتْ، وَفَرْضِ غَيْرِ جُمُعَةٍ وَلَا يُعِيدُ، لَا سُنَّةٍ إنْ عَدِمُوا مَاءً كَافِيًا، أَوْ خَافُوا بِاسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا، أَوْ زِيَادَتَهُ، أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ أَوْ عَطَشَ مُحْتَرَمٍ مَعَهُ، أَوْ بِطَلَبِهِ: تَلَفَ مَالٍ، أَوْ خُرُوجَ وَقْتٍ.كَعَدَمِ مُنَاوِلٍ، أَوْ آلَةٍ. وَهَلْ إنْ خَافَ فَوَاتَهُ بِاسْتِعْمَالِهِ ؟ خِلَافٌ}
————————————-
ولما أنهى الكلام على الطهارة المائية صغرى وكبرى، انتقل يتكلم على الطهارة الترابية التي هي من خصائص هذه الأمة، وقد نظم محمد يحيى ابن ابوه الموسوي الفروع التي تختص بها هذه الأمة بقوله:
فصلٌ خصصنا عن جميع الأمم == بالتَوْب والجهاد والتيمم
والغرة التحجيل والصلاة == على الجنائز وبالوصاة
والطهر بالماء وقسم المغنَم == وبسؤال الملكين واضمُم
لذا صلاتَنا بغير مسجد == والطهرَ من جنابةٍ إن تعدُد
نتائجُ الفِكر هذا فيه == وقال فيه شيخنا يحظيه
وما حكاه الشيخ عبد الباقي == ليس جميعه على الإطلاق
بل بالجنابة وبالمتاب == ما خَصَّنا حاشيةَ الكتاب
وقال بالجهاد الامة تخص == وعارض البناني ذا أيضا بنص
{فَصْلٌ يَتَيَمَّمُ ذُو مَرَضٍ} ولو حكما كصحيح خاف باستعمال الماء حدوثه، ولو لم يبح مرضه بأن تسبب فيما يمرض به، {وَ} ذو {سَفَرٍ} وإن لم يبلغ مسافة قصر على الأصح، {أُبِـيحَ} أراد بقوله “أبيح” ما قابل المحرم والمكروه فيشمل الفرض والمندوب كسفر الحج ، والمباح كسفر التجر، وخرج المحرم كسفر العاق والآبق، والمكروه كسفر اللهو، وهذا ضعيف والمعتمد أن المسافر إذا فقد الماء يتيمم ولو عاصيا بسفره.
{لِفَرْضٍ} اتفاقا ولو جمعة {وَنَفْلٍ} استقلالا، والنفل هنا: ما عدا الفرض فيشمل السنة ومس المصحف {وَ} يتيمم {حَاضِرٌ صَحَّ} لم يجد ماء {لِجِنَازَةٍ إِنْ تَعَيَّنَتْ} عليه بأن لم يوجد مصل غيره.
(تنبيه): لو حضر الجنازة المتعينة جماعة أصحاء عدموا ماء وتيمموا دفعة واحدة فلهم الصلاة عليها ولو سبق أحدهم بالإحرام، وكذا إن تيمموا مترتبين ولم يدخل واحد منهم قبل الآخر، وأما إن أتى واحد منهم بعد تيممهم وإحرامهم فظاهر كلام أهل المذهب أنه لا يدخل.
هل بالشروع تسقط الكفايه == أو بالفراغ نسأل الهدايه
{وَفَرْضِ غَيْرِ جُمُعَةٍ} وأما الجمعة فلا يتيمم لها، فإن فعل لم يجزه على المشهور بناء على أنها بدل من الظهر، فلا يتيمم لها ولو خاف خروج الوقت، وهذا مشهور مبني على ضعيف، فالواجب عليه أن يصلي الظهر بالتيمم {وَلاَ يُعِيدُ} الحاضر الصحيح ما صلاه بالتيمم أي تحرم الإعادة عليه.
قال محمد مولود (آدَّ):
والحاضر الصحيح حيث فقدا == أعاد عند الشافعي أبدا
وابنِ حبيبٍ وابنِ عبد الحكم == جميعَ ما صلاه بالتيمم
تذييل محمد عالي بن أحمد بابَ :
وقيل في الوقت يعيد وانظر == ميسر الجليل يا قيس السرى
{لاَ سُنَّةٍ} فلا يتيمم لها الحاضر الصحيح استقلالا، والمراد بالسنة ما عدا الفرض لأنها تبرع والتبرع لا يصح إلا بشروطه.
ثم أشار إلى شرط جواز التيمم، وأنه أحد أمور أربعة، فأشار للأول بقوله: {إِنْ عَدِمُوا} أي الثلاثة وهم: المريض والمسافر والحاضر الصحيح، {مَاءً كَافِيًا} للفرائض القرآنية، مع قدرتهم على استعماله لو وجدوه. {أَوْ خَافُوا} أي المسافر والحاضر الصحيحين، وجمع باعتبار الأفراد، {باسْتِعْمَالِهِ مَرَضًا} تحقيقا أو ظنا، واستندوا في خوفهم إلى سببٍ كتجربة، أو قرينة عادية، أو إخبار طبيب عارف، أو موافق في المزاج، قال أبو بكر ابن محنض انهايت :
خافوا حجوا تجربة هي السبب == قرينة عادية خبر طب
{أَوْ زِيَادَتَهُ} أي شدته في نفسه {أَوْ تَأَخُّرَ بُرْءٍ} أي زيادة زمنه، وهذا راجع للمريض فقط في الفرعين، {أَوْ} خاف مريد الصلاة الذي معه الماء باستعماله {عَطَشَ مُـحْتَرَمٍ مَعَهُ} وهو المسلم وماله، والذمي وماله، وأما غير المحترم كالكلب العقور والخنزير فيعجل بقتل الجميع إن قدر، وإن عجز فلا يعذبهم بمنع الماء بل يسقيهم ويتيمم.
قال عبد الله ابن محمد سالم:
إن يخف المعصوم موتا أو شديد == مضرة عليه أوجب الصعيد
في العلم والظن وفي ظن مرض == خف أو العلم جوازه عرض
مجرد التعب لا تبحه به == كالشك والوهم بكل يا نبه
محل ذا في غير من تلبسا == بعطش وإن به تدنسا
يجب في الشديد والموت بكل == وفي الخفيف دون ما جهد يحل
(تنبيه): مثل العطش: إذا احتاج الشخص للماء للعجين أو الطبخ الذي يتوقف عليه إصلاح بدنه.
{أَوْ} خاف القادر على استعماله من حاضر أو مسافر {بِطَلَبِهِ: تَلَفَ مَالٍ} يزيد على ما يلزمه بذله فيه، فإنه يتيمم.
مم الجكني:
القرطبي قال في تفسيره == من خاف فوت السفر في مسيره
جاز له بذلك التيمم == نقله الحطاب عنه فأتموا
{أَوْ} خاف بطلبه {خُرُوجَ وَقْتٍ} هو فيه اختياري أو ضروري، ومثل ذلك من لا يقدر على استعمال الماء باردا وخاف بتسخينه خروج الوقت {كَعَدَمِ مُنَاوِلٍ} لقادر على استعماله دون أخذه. {أَوْ آلَةٍ} كدلو وحبل إذا خاف خروج الوقت لأنه بمنزلة عادم الماء، {وَهَلْ} يتيمم واجد الماء الصحيح، ولو لحدث أكبر {إِنْ خَافَ فَوَاتَهُ} أي الوقت الذي هو فيه اختياريا أو ضروريا {بِاسْتِعْمَالِهِ؟} أي الماء، وهو المعتمد مراعاة لفضيلة الوقت، أو لا يتيمم ويستعمله ولو خرج الوقت، في ذلك {خِلاَفٌ} ومحله ما لم يشرع في أحدهما وإلا وجب، ولم تكن مغربا فإلى الشفق، مراعاةً للقول بامتداده.
(تنبيه): إذا تبين له بقاء الوقت أو خروجه بعد أن شرع في الصلاة ولو لم يعقد ركعة فإنه لا يقطع ويتم صلاته ولا إعادة عليه لدخوله بوجه جائز، وأولى إذا تبين بعد الفراغ أو لم يتبين شيء، وأما إن تبين قبل الدخول في الصلاة فيتوضأ قطعا.
محمد بن المحبوبي:
تيمم الخائف باستعمال == ماء خروج وقته في الحال
ترجيحه للناظرين يظهر == فيما حكى الحطاب والميسر
وكتب العبد الفقير إلى الله الغني به عبد الله بن أحمد بن الْبُ .
وكان مصدر هذا التدريس: تدريس شيخنا العلامة الشيخ بن حم -حفظه الله ورعاه-.