درسنا اليوم هو الدرس الحادي والستون من: سلسلة دروس مختصر الشيخ خليل.
وَأَثِمَ إِلَّا لِعُذْرٍ بِكُفْرٍ، وَإِنْ بِرِدَّةٍ، وَصِبًا وَإِغْمَاءٍ، وَجُنُونٍ، وَنَوْمٍ، وَغَفْلَةٍ كَحَيْضٍ لَا سُكْرٍ، وَالْمَعْذُورُ غَيْرَ كَافِرٍ يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ، وَإِنْ ظَنَّ إدْرَاكَهُمَا فَرَكَعَ فَخَرَجَ الْوَقْتُ قَضَى الْأَخِيرَةَ، وَإِنْ تَطَهَّرَ فَأَحْدَثَ أَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ أَوْ ذَكَرَ مَا يُرَتَّبُ فَالْقَضَاءُ، وَأَسْقَطَ عُذْرٌ حَصَلَ غَيْر نَوْمٍ وَنِسْيَانٍ: الْمُدْرَكَ.
————-
{وَأَثِمَ} من أوقع الصلاة كلها أو بعضها في الضروري على خلاف، وإن كان مؤديا لأنه مفرط في حفظ الصلاة المامورة، وفي الحديث: «تلك صلاة المنافقين يجلس أحدهم حتى إذا اصفرت الشمس وكانت بين قرني الشيطان قام فنقر أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا»
قال بعضهم:
من أخر الصلاة للضروري == فآثم في المذهب المشهور
وما نحا خليل في وأثما == إلا لعذر قول بعض العلما
كالتونسي وابن وهب وابنِ == رشد وأشهب من أهل الفن
ومالك سُحنون وابن القاسم == مُنسئها للثاني غير ءاثم
وكلهم بالكره ذو تصريح == واختار هذا القول في التوضيح
{إِلَّا لِعُذْرٍ} يعني أن إِثْمَ من أخر الصلاة للضروري مقيد بأن لا يكون معذورا، والعذر يكون: {بِكُفْرٍ} أصلي فمن كان كافر وأسلم في الضروري فإنه يجب عليه أن يأتي بالصلاة ولا إثم عليه.
تنبيه: اعلم أن المانع له حقيقةً من الإثم إنما هو الإسلام، لأن الإسلام يجب ما قبله لقوله تعالى: ﴿ قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ﴾. وهذا إن كان الكفر أصليا بل {وَإِنْ} بكفر عارض {بِرِدَّةٍ} وهي رجوع عن الإسلام تقرر طوعا – نعوذ بالله – فمن ارتد ورجع إلى الإسلام في الضروري فإنه يصلي ولا إثم عليه لكونه صلى في الضروري، {وَصِبًا} بالكسر والقصر، وإذا فتح مد، فلا يأثم صبي أخر للضروري لرفع القلم عنه، فإذا بلغ فيه ولو بقدر ركعة مع الطهر لزمته، ولو صلى في الوقت ثم بلغ فيه لزمته إعادتها لأنها قبل بلوغه نفل وقيل لا يعيد، ولو بلغ في الصلاة قطع وابتدأها ولا يجزئه أن يتمها.
قال بعضهم:
ويقطع الصبي إن بلغ في == أثنا صلاته بلا مختلف
لأنها نفل وإن أتـمَّ لا == يجزئه إتمام ما قدْ فعلا
وبالغ بإثرها والوقت لم == يذهب وجوبها عليه قد ألَمّْ
كما لنجل قاسم وقد أبى == نجل بشير ما إليه ذهبا
{وَإِغْمَاءٍ، وَجُنُونٍ} فمن أغمي عليه أو جُن وأفاق في الضروري فيصلي ولا إثم عليه لعذره بالإغماء والجنون {وَنَوْمٍ} وفي الحديث: « رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلاَثٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّبِيِّ حَتَّى يَحْتَلِمَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ».
ومحله إن نام قبل الوقت مطلقا، أو فيه إن كان يستيقظ فيه.
قال محمد مولود “آدَّ” في الكفاف:
والنوم قبل الوقت لا يأثم بهْ == كفيه حيث كان فيه ينتبهْ
قال محمد سالم ابن ألما:
مريد نوم قبل ظهر ظن أن == ذا النومَ يستغرق وقت الظهر عنّْ
له جواز النوم من فقدان == تعلق التكليف في ذا الآن
ووقعت دهر النبي صلى == عليه ذو العرش علا وجلا
لصاحب الكوكب عَزوَه هبِ == وهو إمام شافعي المذهب
صاحب الكوكب: هو الإمام السيوطي.
{وَغَفْلَةٍ} وهي النسيان، فمن نسي صلاة ولم يذكرها حتى خرج وقتها، أو ذكرها في الضروري، فإنه يصلي ولا إثم عليه لنسيانه. {كَحَيْضٍ} وهذه الكاف للدليل وهي المشبه ما قبلها بما بعدها، لأن الحيض مانع شرعي عرفت مانعيته من الشارع ولا استقلال للعقل به، فجعله أصلا فشبه به ما قبله. {لَا سُكْرٍ} حرامٍ ولو بحلال يظنه حرام، فليس بعذر لأنه أدخل ذلك على نفسه، وأما الداخل عليه السكر غلبة، كمن شرب مباحا كعسل مثلا فسكر، فإنه معذور ولا أثم عليه. {وَالْمَعْذُورُ} عذرا يسقط الصلاة بخلاف النوم والغفلة {غَيْرَ} منصوب على الاستثناء {كَافِرٍ يُقَدَّرُ لَهُ الطُّهْرُ} بالماء لحدث أصغر أو أكبر، إن كان من أهله وإلا فبالصعيد، ويراعى في الطهر الحالة الوسطى لا حالته هو في نفسه إذ قد يكون موسوسا. والمعذور الذي يقدر له الطهر عند زوال العذر، إنما هو الصبي والمغمى عليه والمجنون والحائض والنفساء، وأما الغافل والنائم فلا يسقط عنها وجوب قضاء الصلاة كما مر، وأما الكافر فلا يقضي إلا ما أسلم في وقته لكنه لا يقدر له الطهر، لأن زوال المانع بيده. {وَإِنْ ظَنَّ} المعذور الذي يقدر له الطهر بعد أن زال وتطهر {إدْرَاكَهُمَا} أي مشتركتي الوقت {فَرَكَعَ} من الأولى ركعة بسجدتيها أو أكثر {فَخَرَجَ الْوَقْتُ} بغروب شمس أو طلوع فجر، ضم إليها أخرى ندبا وخرج عن شفع، وكذا يضم للثلاثة رابعة، خوف حبوط الأعمال، ولا يحرم عليه التنفل في هذا الوقت أعني وقت الغروب لأنه غير مدخول عليه، و{قَضَى} الصلاة {الْأَخِيرَةَ} لأن الوقت إذا ضاق اختصت به الأخيرة، وأما إن ظن إدراك العصر فقط مثلا، فلما فرغ منه بقيت من الوقت فضلة صلى الظهر، واختلف هل يعيد العصر أم لا والظاهر عدم الإعادة. {وَإِنْ تَطَهَّرَ} من ظن إدراكهما أو إحداهما {فَأَحْدَثَ} قبل الصلاة غلبة أو نسيانا أو عمدا {أَوْ تَبَيَّنَ عَدَمُ طَهُورِيَّةِ الْمَاءِ} قبل الصلاة أو بعدها فتطهر فخرج الوقت فإنه يقضي ما فاته بالطهر الثاني لأن العبرة بالتقدير الأول هذا قول سحنون وهو الأصح، وقال ابن القاسم: لا قضاء عليه {أَوْ} تطهر ثم {ذَكَرَ مَا يُرَتَّبُ} أي ما يجب تقديمه على الحاضرة، وهو يسير الفوائت، فقدمه فخرج الوقت {فَالْقَضَاءُ} على المشهور وفاقا لابن القاسم في الطرفين، ولسحنون في الأوسط. {وَأَسْقَطَ عُذْرٌ حَصَلَ} أي يمكن حصوله بخلاف الصِبا {غَيْر نَوْمٍ وَنِسْيَانٍ: الْمُدْرَكَ} مفعول قوله: “أسقط”، ولا يقدر الطهر في جانب السقوط على المعتمد، فارتفاع العذر لوقت عام يوجبهما، ولوقت خاص يوجب الأخيرة، ومجيئه لوقت عام يسقطهما، ولوقت خاص يسقط الأخيرة. خلافا للخمي حيث قال إن تقدير الطهر يعتبر في جانب السقوط كجانب الإدراك.
وكتب عبيد ربه عبد الله بن أحمد بن الب، كان الله في عونهم.
المصدر: تدريس شيخنا العلامة الشريف الشيخ بن حم، شيخ محظرة الشرفاء في ابير التورس