بسم الله الرحمن الرحيم و صلى الله على نبيه الكريم
درسنا اليوم هو الدرس الثالث من: سلسلة دروس مختصر الشيخ خليل.
{فَأَجَبْتُ سُؤَالَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ ، مُشِيرًا بِـ ” فِيهَا ” لِلْمُدَوَّنَةِ ، وَبِـ ” أُوِّلَ ” إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا فِي فَهْمِهَا وَبِـ”الِاخْتِيَارِ” لِلَّخْمِيِّ لَكِنْ إنْ كَانَ بِصِيغَةِ الْفِعْلِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ وَبِالِاسْمِ فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ مِنْ الْخِلَافِ ، وَبِـ ” التَّرْجِيحِ ” لِابْنِ يُونُسَ كَذَلِكَ وَبِـ ” الظُّهُورِ ” لِابْنِ رُشْدٍ كَذَلِكَ وَبِـ ” الْقَوْلِ ” لِلْمَازِرِيِّ كَذَلِكَ وَحَيْثُ قُلْتُ ” خِلَافٌ ” فَذَلِكَ لِلِاخْتِلَافِ فِي التَّشْهِيرِ ، وَحَيْثُ ذَكَرْتُ قَوْلَيْنِ أَوْ أَقْوَالًا فَذَلِكَ لِعَدَمِ اطِّلَاعِي فِي الْفَرْعِ عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ }
——————————————–
{ فَأَجَبْتُ سُؤَالَهُمْ بَعْدَ الِاسْتِخَارَةِ }وهي أن يصلي ركعتين يقرأ في الأولى بالفاتحة والكافرون، وفي الثانية بالفاتحة والإخلاص، ثم يقول الدعاء، وجاءت كيفية صلاة الاستخارة مبينة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد أخرج البخاري عن جابر بن عبد الله رضي الله عنهما ، قال : ((كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلمنا الاستخارة في الأمور كما يعلمنا السورة من القرآن يقول إذا هم أحدكم بالأمر فليركع ركعتين من غير الفريضة ثم ليقل اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك وأسألك من فضلك العظيم فإنك تقدر ، ولا أقدر وتعلم ، ولا أعلم وأنت علام الغيوب اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال عاجل أمري وآجله – فاقدره لي ويسره لي ثم بارك لي فيه وإن كنت تعلم أن هذا الأمر شر لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري ، أو قال في عاجل أمري وآجله – فاصرفه عني واصرفني عنه واقدر لي الخير حيث كان ثم أرضني قال : ويسمي حاجته.)) { مُشِيرًا } هذا حال من فاعل أجبت. {بِـ”فِيهَا”} وكذلك كل ضمير مؤنث غائب عائد على غير مذكور، كقوله: ظاهرها، وتحتملها، وأولتْ، وقيدتْ. {لِلْـمُدَوَّنَةِ،} وأصلها لأسد بن الفرات بن سنان تفقه بعلي ابن زياد في تونس، ثم ارتحل إلى المشرق، فسمع من مالك موطأه وغيره، ثم ذهب إلى العراق فأتى أبا يوسف، ومحمد بن الحسن، وأسد بن عمرو، ويحيى بن أبي زائدة، وغيرهم وصدر عن أهل العراق بأسئلة قدم بها المدينة ليسأل عنها مالكا، ويدونها على مذهبه، فوجده توفي فأتى أشهب ليسأله عنها فسمعه يقول: أخطأ مالك في كذا وأخطأ في مسألة كذا، فتنقصه بذلك، ولم يرض قوله فيها فدُلَّ على ابن القاسم فأتاه فرغِب إليه في ذلك فأبى عليه فلم يزل به حتى شرح الله صدره لما سأله، فجعل يسأله عنها مسألة مسألة، فما عنده فيه سماع عن مالك يقول: سمعت مالكا يقول فيه كذا وكذا، وما لم يكن عنده فيه عن مالك إلا بلاغ يقول: لم أسمع في ذلك عن مالك شيئا، وبلغني أنه قال فيه كذا وكذا، وما لم يكن عنده فيه سماع ولا بلاغ يقول :لم أسمع من مالك فيه شيئا، والذي أراه فيها كذا وكذا حتى أكملها، فرجع بها إلى بلده، فطلبها منه سحنون، فأبى عليه فيها، فتحيل له سحنون حتى صار الكتاب عنده، فاستنسخها، ثم رحل بها إلى ابن القاسم فقرأها عليه، فرجع منها عن مسائل، وكتب إلى أسد أن يصحح كتابه على ما في كتاب سحنون، فأنف أسد من ذلك وأباه، فبلغ ذلك ابن القاسم ، فدعا عليه أن لا يبارك له فيها. ذكر ذلك ابن رشد، فسميت المختلطة والمنبوذة.
قال البشير بن امباريگي البهناوي:
أصل المدونة أن أسدا == تلميذَ مالك الإمام ذي الهدى
جمع فقها من علوم الحنفي==مسائلا قد دونت في الصحف
مضى يريد عرضها على الإمام==فوجد الإمام قد لاقى الحمام
فاختبر الحبر الشهير أشهبا==وعنه لابن قاسم قد رغبا
فحرر الديوان ثَمَّ واستمر==للغرب أرضِه وفي الطريق مر
بالندب سحنون وعنه قد نقل==من ذا الكتاب نسخة ثم ارتحل
إلى ابن قاسم ومنه غيرا==مسائلا واردة وحررا
فكتب ابن قاسم إلى أسد==أن يصلح الذْ عنده بما بيد
سحنون الحبر و لكن ما امتثل==لذاك ما جرى به قط عمل
فكان ما حرره و دوَّنه==سحنون أصلا سمي المدوَّنه
{وَ} مشيرا {بِـ ” أُوِّلَ “} أي مادته ليشمل نحو تأويلان، وتأويلات.{ إلَى اخْتِلَافِ شَارِحِيهَا} وإن لم يشرحوا منها إلا هذه المسألة {فِي فَهْمِهَا}،
( فائدة ) الأمهات أربع: المدونة والموازية والعتبية والواضحة، فالمدونة لسحنون، والعتبية للعتبي، والموازية لمحمد بن المواز، والواضحة لابن حبيب، وزاد بعضهم: المبسوطة والمجموعة، فالمجموعة لابن عبدوس والمبسوطة للقاضي إسماعيل.
{وَ} مشيرا {بـ}ـمادة{“الِاخْتِيَارِ” لِلَّخْمِيِّ} هو أبو الحسن على بن محمد الربعي، وجده لأمه لخمي.
توفي اللخمي في “تعدد”==سنين وهو ربعي المحتد
تعدد : 478هـ
{ لَكِنْ إنْ كَانَ } الاختيار { بِصِيغَةِ الْفِعْلِ} كاختار واختير { فَذَلِكَ لِاخْتِيَارِهِ هُوَ فِي نَفْسِهِ،} أي من قبل نفسه، لا من أقوال المذهب،وهو قليل {وَ} إن كان {بِالاسْمِ} كالمختار والاختيار {فَذَلِكَ لاخْتِـيَارِهِ} لذلك القول {مِنَ الـخِلاَفِ،} بين أهل المذهب، {وَ} مشيرا {بِـ ” التَّرْجِيحِ ” لِابْنِ يُونُسَ} وهو محمد بن يونس التميمي، قال بعضهم:
سار ابن يونس إلى الرحيم==عام “أُميت” وهو من تميم
أميت = 451 هـ
قال النابغة الغلاوي:
واعتبروا تبصرة اللخمي==ولم تكن لجاهل أمي
واعتبروا الجامع لابن يونس==وكان يدعى مصحف لكن نُسي
{كَذٰلِكَ.} في أن الفعل لما قاله هو ، والاسم لما رجحه من الخلاف.
{وَبِـ}مادة{الظُّهُورِ} {لـ}ـلإمام محمد بن أحمد {ابْنِ رُشْدٍ } القرطبي ويسمى: حافظ المذهب، وأبو دلف المذهب
{كَذٰلِكَ}في أن الفعل لقوله من نفسه ، والاسم لقول سبقه وأتبعه.{وَ} مشيرا {بـالْقَوْلِ} للإمام أبي عبد الله محمد بن علي {الْـمَازِرِي} بفتح الزاي وكسرها، نسبة لمازرة: مدينة في جزيرة صقلية، أخذ عن اللخمي وابن الصائغ وغيرهما ، بلغ درجة الإجتهاد ولم يفت بغير المشهور.
{كَذٰلِكَ.}في أن الفعل لما قاله من نفسه، والاسم لقول سبقه وأتبعه.
قال بعضهم ناظما تاريخ وفاة ابن رشد،وتاريخ وفاة المازرى في بيت واحد فقال:
لحافظ المذهب “كث” والمازري ==”لوث” عليهما نعيم القادر
كث:520هـ ، ولوث:536هـ.
فائدة: إنما خص المصنف بالتعيين هؤلاء الأربعة ؛ لأنه لم يقع لأحد من المتأخرين ما وقع لهم من التعب في تحرير المذهب وتهذيبه وترتيبه، ولكثرة تصرفهم في الاختيار وبدأ باللخمي ؛ لأنه أجرؤهم على ذلك ؛ ولذلك خصه بمادة الاختيار، وخص ابن يونس بالترجيح ؛ لأن أكثر اجتهاده في الميل مع بعض أقوال من سبقه، وما يختار لنفسه قليل، وخص ابن رشد بالظهور لاعتماده كثيرا على ظاهر الروايات، فيقول: يأتي على رواية كذا كذا، وظاهر ما في سماع كذا كذا، وخص المازري بالقول ؛ لأنه لما قويت عارضته في العلوم وتصرف فيها تصرف المجتهدين كان صاحب قول يعتمد عليه.
قال:
إذا قالت حذام فصدقوها==فإن القول ما قالت حذام
{وَحَيْثُ قُلْتُ} فيه {خِلاَفٌ} أي هذا اللفظ، {فَذٰلِكَ} أي قولي خلاف إشارة {لِلاخْتِلاَفِ} بين أئمة المذهب {فِـي التَّشْهِيرِ،} للأقوال،
بأن تساوى المشهوران في الرتبة عنده، فالمراد بالتشهير الترجيح، فإن لم يتساوى المرجحون اقتصر على ما رجحه الأقوى، عرف ذلك من تتبع كلامه.
{وَحَيْثُ ذَكَرْتُ قَوْلَـيْنِ أَوْ أَقْوَالاً} بلا ترجيح {فَذٰلِكَ} إشارة {لِعَدَمِ اطِّلَاعِي فِي الْفَرْعِ } المذكور { عَلَى أَرْجَحِيَّةٍ مَنْصُوصَةٍ ،} لأهل المذهب أي لم أجد ترجيحا أصلا، فأفعل التفضيل في ليس على بابه، فتأمل. أما لو وجد راجحية أو أرجحية لأحد الأقوال اقتصر على الراجح، أو الأرجح، ولو وجد راجحية للكل لعبر بخلاف كما مر، فالصور أربع.
قال محمدن (بدنّ) بن سيدي بن أحمدناه:
وبعض ما خليلنا في المختصر == بدون تفصيل جلي قد ذَكرْ
فراجح وأرجحٌ ثم خلاف == قولان أقوال فذي لها تضاف
فيذكر الراجح والأرجح في == مشهور قول راجح فلتعرف
وإن تساوى أرجح أو راجح == يبدو الخلاف إذ به يصارح
والقول حيثما المرجِّحُ انتفى == وذا بيان نافع لو يُقتفى
لشيخنا الشيخ بن حَمَّ المرتضى == العالم العلامة العدل الرضى
إلى اللقاء في الدرس القادم إن شاء الله .
و كتب العبد الفقير إلى الله الغني به : عبد الله بن أحمد بن الب ، كان الله في عونه و والديه ، و رحم الله من قال ءامين.
المصدر: تدريس شيخنا العلامة الشيخ بن حَمَّ ، حفظه الله و رعاه وجزاه عنا بأحسن جزائه، ءامين ،
السلام عليکم جزاکم الله خيرا